كانت تُنازع فوق فراشٍ جمَعَها وإيَّاهُ سنواتٍ طويلة، تتلوى في سكرات الموت، و يتفحم دمها بالوجع.
نادت عليه بصوت يقارب النحيب، إني عطشانة، أود رشفة ماء...
كان مشغولاً بوهمه الغريب..! يراسل طيفاً عبر الأسلاك ويقول:
_ إنك الحبيبة الأولى والأخيرة، وأنت حبي الوحيد، و ولعي بك يا حلمي كل يوم يزيد! إن لم نلتقي على الأرضِ يا أملي لنحقق أمنياتنا، و نعيش كعصفورين حرَّين من جحيم الأسلاك وقوانين الأوطان..!
فإنّ لقاءنا سيكون في الفردوس..! لنحقق حلمنا الجميل، ونسعد بغرامنا الفريد! بعيداً عن عيون العجوز الشمطاء، التي تتهكم عليّ صباح مساء.
أرادت رشفة ماءٍ تطفئ بها لهيباً تأجج داخلها، لكنه كان يلهو مع وهمه، الذي افتتن به من أول ما لامست أنامله الجهاز، فأخذ الوهم بتلابيبه! و عانقت روحه الآثام وآفات.
تمنت أن ترتشف رشفة ماءٍ للمرة الأخيرة، تفرغها داخل جوفها، لتطفئ بها حرقة اتقدت في صدرها.
لكنه كان يتراقص مع وهمه على أنغام إبليس، قائلا:
_ إنك العمر كله، وأملي و شغفي بك نادر، و طيفك يلازم روحي، ويراودني عن نفسي..!
أرادت منه رشفة ماءٍ قبل توديع الدنيا الفانية، لكنه أبى أن يمدها بالرشفة، فتنفست أنفاسها الأخيرة عطشانة،
كما عاشت معه.
12/3/1