أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 14

الموضوع: زفرة تأبى الخروج- قصة

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي زفرة تأبى الخروج- قصة

    مرضت زوجته فجأة وذهب بها إلى المستشفى حيت خيروه بين الانتظار لشهرين أو الرحيل بها إلى مصحة خاصة، حدثهم عن فاقته وعن شح دراهم يومه التي بالكاد تسد لقمة عيشه رفقة أسرته، احتقروه وتفننوا في إذلاله، طالبوه بشهادة الفقر متناسين أنه هو الشهادة بعينها، تم تركوه يطرق أبواب مكاتب عديدة ليخرج منها مهانا ذليلا.

    بعد معاناة وبإصرار شديد أتى بالوثيقة المشؤومة، تم أدخلت زوجته إلى غرفة الفحص ودعاء الأمل لا يفارق لسانه، انتظر خلف الباب حتى خرج الطبيب فعلم أنها بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة يعجز المستشفى عن القيام بها. قبل يده واستعطفه لعله يرأف بحاله، بلطف لم يعهده من قبل في مثل هذه الأمكنة، أجابه الطبيب ربما مشفقا عنه لبؤسه أو لجهله: العملية تحتاج إلى أجهزة متطورة لا تتوفر لدينا، تم نصحه بإحدى المصحات الخاصة.

    ذهب على وجه السرعة مترجلا إلى حيث أرشده، وصل بعد ساعة من الزمن مرهقا والعرق يتصبب من جبينه ومن أطرافه، أخبروه عن الكلفة فأدرك على الفور أنها تتجاوز طاقته. عاد بخفي حنين محبطا جريح القلب والأمل، تَراءى له من بعيد شاب متوسط القامة، أبيض البشرة، كان قد لمحه يتحدث إلى موظفة الاستقبال في المصحة أو هكذا تصور، قدم له نفسه على أنه ناشط جمعوي فتبادلا الحديث عن أسرتيهما وعن حكايته فاطمأن له أو هكذا توهم.

    رمى بحجارة إلى النهر فأيقظني من كابوس مستمر، نظر إلي مليا وصمت قليلا تم تابع: انفرج صدري للحظات، قلت في أعماق نفسي لازال هناك طيبون في دنياي، أخد بيدي وتوجهنا نحو سيارة فارهة ركنت بجانب الطريق، خرج منها شخص رفقة زوجته الأربعينية يتحدثان لغة أجنبية، ربما الفرنسية، سرد عليهم الشاب حكايتي أو هكذا فهمت. همس بعضهم لبعض تم ربت الشاب على كتفي برفق وحنان، وحدثني عن حبهما للأطفال وعن سبب عقمها وأشياء أخرى لم أعد أتذكرها. انتابني شعور غريب وأحسست ان الأمر ينطوي على شيء خبيث لم أستطيع أن أفهم مغزاه ومبتغاه.
    نظر برهة إلى حقيبة الطعم التي كانت بجانبي بين الصخور وتنهد بحرقة وتحسر: ذلك الشاب الذي حسبته من المحسنين ساومني على ابنتي على ان يضمن لها الزوجان حياة سعيدة وأن يأتياني بها في كل السنة مرة. لم أتمالك نفسي وأخدت برقبته وصرخت في وجهه بغضب شديد: اسمع يا هذا لا اريد منكم نفعا وإحسانا...

    انهمرت الدموع وحفرت لها أخاديد فوق لحيته البيضاء، حاولت تهدئته: لا عليك سيدي هكذا اصبحنا وهذا هو حالنا مند سنين، مسح لحيته المبللة تم واصل متحاملا على نفسه : استجديت مدير المستشفى والأطباء والأقارب وكل معارفي لكن بدون فائدة فعدت بزوجتي إلى منزلي المتواضع...
    تسللت العبرات من جديد وانسكبت على خده وتدحرجت حتى اختلطت بغمغمة التقطت منها بعض الكلمات...

    - هون عليك سيدي، إنا لله وإنا له راجعون، لقد فعلت الصواب واخترت طفلتك وتركت المال...
    - يا ليتني لم أفعل !
    - لماذا يا سيدي؟
    - بعدما قضت زوجتي صعب علي إعالة بناتي الأربعة، أشفقت علي أكبرهن فاشتغلت خادمة في بيت أحد كبار مسؤولي الدولة، أدلنا عليه أحدهم، باب رزق لم يكد يفتح حتى أغلق بعدما فقدنا الاتصال بها بعد وقت قصير ولم نعتر لها على أثر إلا مند أيام، أنها...

    لعلكم اهتديتم إلى سبيلها؟
    يا ليتني لم أعثر لها على سبيل؟

    تم أشار بيده إلى الضفة المقابلة من النهر حيت الأضواء والسيارات وبائعات هوى وغرام وعشق وأشياء أخرى. أحزنني هذا أشد الحزن ولم أشاء أن أستمر في نبش جروحه التي لن تندمل.

    أخرج صنارته من الماء خالية من دون طعم ولا صيد، سافر ببصره المتثاقل خلف الصخور الضخمة حيث عشاق متعة لحظية وسارقو بهجة أبدية وقال بصوت خفيت : لم يكن ذلك المسؤول صاحب المنزل الفاخر والسيارة الفارهة الذي اغتصب ابنتي سوى الطبيب الذي تاجر في الالم والأطفال والسياسة. تم استنشق الهواء بصعوبة وأتبعه بزفرة مجلجلة تأبى الخروج.
    التعديل الأخير تم بواسطة كاملة بدارنه ; 20-03-2016 الساعة 01:14 PM سبب آخر: حذف عنوان موقع

  2. #2
    مشرف قسم القصة
    مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : May 2011
    المشاركات : 7,009
    المواضيع : 130
    الردود : 7009
    المعدل اليومي : 1.48

    افتراضي

    الأستاذ أحمد العكيدي

    أهلا و مرحباً بكم في رحاب الواحة ..

    سرد جميل يحكي ثنائية الفقر والاستغلال في غياب الضمير .. مع أن العلاج من أبسط حقوق المواطن ..

    أحييك أخي وأهلاً بكم.

    تحياتي.
    وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن

  3. #3
    الصورة الرمزية خلود محمد جمعة أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2013
    المشاركات : 7,724
    المواضيع : 79
    الردود : 7724
    المعدل اليومي : 1.99

    افتراضي

    بعض القصص أمنى ان تكون مجرد خيال لبشاعة حقيقتها
    المادة زحفت الى المشاعر لتصبح القلوب اسمنتية تخلو من نبض الرحمة
    سرد ماتع باسلوب شائق وحرف جميل
    بوركت

  4. #4
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,163
    المواضيع : 318
    الردود : 21163
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    في ظل الأوضاع الإقتصادية المتردية يجد الفقراء أنفسهم
    في وسط غابة يتحكم فيها الفاسدين ـ بعد أن ضاعت الرحمة
    والإنسانية وماتت الضمائر.
    موجع ما رسمت من لوحة بائسة في قصتك التي هزت المشاعر
    فلك تحياتي وأهلا بك وبقلمك في واحتك . نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  5. #5
    الصورة الرمزية كاملة بدارنه أديبة
    تاريخ التسجيل : Oct 2009
    المشاركات : 9,824
    المواضيع : 195
    الردود : 9824
    المعدل اليومي : 1.84

    افتراضي

    سرد مؤثّر وقصّة مضمونها مؤلم بوصفها لحالة المعاناة والبؤس تلك
    بوركت
    تقديري وتحيّتي

  6. #6

  7. #7
    الصورة الرمزية آمال المصري عضو الإدارة العليا
    أمينة سر الإدارة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Jul 2008
    الدولة : Egypt
    المشاركات : 23,788
    المواضيع : 392
    الردود : 23788
    المعدل اليومي : 4.13

    افتراضي

    كل الحلول قاسية صنعها الفقر والعوز ودعمها معدومي الضمير
    قص موجع بسرد سلس ولغة طيعة وحبكة قوية ... وجاءت الخاتمة صفعة على وجه الانسانية
    شكرا لك أديبنا الفاضل
    ومرحبا بك في واحتك
    تحاياي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8

  9. #9
    الصورة الرمزية محسن العافي أديب
    تاريخ التسجيل : Aug 2010
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 433
    المواضيع : 60
    الردود : 433
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    قرأت هذا النص وعاودت قراءته هنا ،وقد وفقت في تقريبنا من المعاناة التي يحتضنها عالم البؤساء ،ككل مرة أجد جمالا وإحساسا صادقا في ما تكتب أديبنا أحمد العكيدي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    16108000

  10. #10
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Sep 2015
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 249
    المواضيع : 13
    الردود : 249
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محسن العافي مشاهدة المشاركة
    قرأت هذا النص وعاودت قراءته هنا ،وقد وفقت في تقريبنا من المعاناة التي يحتضنها عالم البؤساء ،ككل مرة أجد جمالا وإحساسا صادقا في ما تكتب أديبنا أحمد العكيدي.
    بدوري أشكرك أديبنا محسن العافي وأسعدني رأيك في نص كما أسرني مرورك الطيب.
    مع أجمل التحايا

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. الخروج من الحذاء .. ( قصة قصيرة )*
    بواسطة محمد فتحي المقداد في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 09-09-2015, 07:02 PM
  2. زفرة شجن
    بواسطة معاذ الديري في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 42
    آخر مشاركة: 06-04-2010, 07:26 PM
  3. المعركة تأبى وجودك فى بلادى
    بواسطة عادل حجازى في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 13-03-2007, 11:04 PM
  4. تأبى المكارم
    بواسطة عتيق بن راشد الفلاسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 05-11-2006, 10:17 PM
  5. رَفَحْ ... جُرحٌ نازفٌ في جسدٍ تأبّى
    بواسطة د.جمال مرسي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 21-05-2004, 12:20 PM