لا ترْمِ دهرَك بالتوبيخ
دع التذمر والشكوى لمن يئسوا
هو الهوان إذ الرايات تنتكسُ
لا ترْمِ دهرَك بالتوبيخ - صرْتَ به
حَمْلًا يُقادُ ذليلاً - حين تُفترسُ
لله دعْ خَلْقَهُ لا تنْعَ دهرَك في
سخطٍ على الخلق مهما أغلَظوا وقسوا
وخذْ بنفسكَ في منأى ، تَخطَّ بها
أخطاءَهم ، وانطلِقْ بالعزم إذ جَلَسوا
ما أسهلَ السخطَ خوفاً من مُواجهةٍ
لكنْ يضيقُ به في الأنفسِ النّفَسُ
لا تولدُ الهممُ الشمّاء من كسلٍ
لكنّها من مَضاء الروحِ تَنبجسُ
والنفسُ عندَ أباة النفسِ شامخةٌ
وتمتطي العزَّ مِن خيّالِها الفرَسُ
إن رامَ دهرٌ أذى فذٍّ بنائبَةٍ
هبّتْ على الدَّهرِ من أخلاقِه عَسَسُ
وفي اختلاف الرؤى تسمو مداركُنا
ما أتعسَ الكون فيه كلُّنا قُسُسُ
فالعالمون لنيل الفكر ما درسوا
كالزارعين لنيل الزادِ ما غرسوا
ما شاء ربُّك في يوم تشابُهَنا
لا فضلَ لو كلُّنا نَصٌَّ ومقتَبَسُ
يُغْنِي عن الجَمْعِ إن صادَفْتَ واحِدَنا
على التناسُخ كلُّ الجَمْعِ مُطَّرَسُ
فالله قد خلق الأكوانَ من أزلٍ
لا يَشْغِلَنَّكَ ظنٌّ فيه أو حدَسُ
فالغيث ينزل من غيم ومن سحبٍ
لو شاءَ من دونها .. لكنها الأسسُ
تجري الكواكبُ في الأفلاك آمنةً
أنعمْ .. وربُّك في عليائه الحرسُ
والضدُّ يجليه ضدٌّ في تضادُدِه
وربّما الندُّ بالأندادِ يُحتبَسُ
والنورُ لولا وجودُ العتمِ مُبتذَلٌ
وما الأمانة لولا اللصّ يختلسُ
تحلو الحياةُ بأطيافٍ تُزيّنُها
فالبعض يعشقها والبعضُ يختنسُ
والبعض إن مرَّ في ركنٍ يُدَنِّسُهُ
والبعضُ طهرُ به وما شابَهُ دنسُ
والبعضُ عهرٌ وعارٌ لا يُطَهِّرُهم
لو كلَّ يومٍ همُ في زمزمَ ارتمسوا
ونعرفُ الصحَّ من سهوٍ بفطرتِنا
يُدَقُّ للسَّهوِ في وجداننا جرسُ
لعلّ أفظعَ ما في الكونِ من حدثٍ
أن يحصدَ الخيرَ دونَ الطيِّبِ الشرِسُ
لا عدلَ في الكون بل ظلمٌ يطيف به
مبادئُ البعضِ عند البعضِ تُلْتَبَسُ
وقد يُقَدَّسُ ركنٌ للصلاةِ بِه
وليس فيه لدفء المصطلي قبَسُ