فن الوصف الأدبي

الوصف: معناه في اللغة الكشف والإظهار، ومعناه الأدبي تصوير خواص الأشياء الحسية والمعنوية باللغة، وهو كالرسم في أنهما من الفنون الجميلة وفي اعتمادها على الألوان للإفهام والتأثير، وفي انقسامهما من إلى نوع واقعي وآخر مثالي جميل، وكلاهما يتناول الأشياء في حاليها المستقرة الثابتة والمتغيرة المتتابعة.
والوصف -فوق ما له من قيمة فنية تظهر في نصوصه نظمًا ونثرًا- يدخل في تكوين الفنون الأدبية الأخرى كالرواية، والرحلات، والتاريخ، والخطابة، والرسالة.
ولهذا الفن قوانين متصلة بأقسامه، وتكوينه، نذكر منها هنا أهم ما يؤثر في أسلوبه اللفظي:
1- يقوم الوصف الأدبي على اختيار أهم العناصر التي تميز الموصوف وتكون مصدر الجمال، والتأثير، تاركا الأشياء التافهة أو التفاصيل العلمية الدقيقة. ثم يفسر هذه العناصر تفسيرًا عاطفيًّا خياليًّا متأثرًا بمزاج الأديب. وذكائه: فالزهرة
بألوانها الجميلة، وشكلها المنسق، وعبيرها الفياح، ثم ما تبعثه في النفوس من معاني الذل، والشباب، والأمل، والإعجاب:
ومائسة تزهى وقد خلع الحيا ... عليها حلي حمرًا وأردية خضرا
يذوب لها ريق الغمائم فضة ... ويسكن في أعطافها ذهبًا نضرا
2- ولما كان هذا الفن معتمدًا على الخيال في التصوير كانت عبارته حاوية هذه الصورة الخيالية من تشبيه، ومجاز، واستعارة ومبالغة، ومقابلة؛ لأن في كل صورة من هذه ميزة لتقوية المعنى أو تجسيده، أو إلحاقه، بما هو أقوى منه استجابة لقوة العاطفة والانفعال. وقد رأيت في المثال السابق كيف استحالت الزهرة فتاة مزهرة بنفسها، معجبة بما خلع عليها المطر من حلي وحلل، وكيف فتن بها الغمام، فسال ريقه فضة، ثم أحالته ذهبًا حين استقر في أعطافها، كل تلك صور خيالية متتابعة، لا بد منها لتصوير إعجاب الشاعر -ابن خفاجة الأندلسي- بالزهرة؛ وما بعثت في نفسه من معان وانفعالات. وكذلك الشأن في المنثور.
يقول السيد توفيق البكري في وصف البحر: "فإذا كان الأصيل1 وسرى البسيم العليل؛ رأيت البحر كأنه مبرد؛ أو درع مسرد2؛ أو أنه ماوية3 تنظر السماء فيها وجهها بكرة وعشية؛ وكأنما كسر فيه الحلي أو مزج بالرحيق القطربلي4 وكأنما هو قلائد العقيان5، أو زجاجة المصور يؤلف عليها الأصباغ والألوان. حتى إذا أخضل1 الليل، وأرخى الذيل، يدا الهلال كأنه خنجر من ضياء، يشق الظلماء"2 وقد غلب التشبيه على هذا النص وإن لم يخل من الصور الأخرى.
3- يجب أن يكون الكلمات من الدقة بحيث تكون صدى صادقا لما تحكي من صوت، أو تؤدى من معنى ولون، لذلك حسن الاستعانة بالنعوت التي تزيد في التحديد أو الروعة ليكون الوصف كاشفًا حاكيًا ما وراءه، يسمعه الإنسان فكأنما يشهد الطبيعة في ائتلافها، والصور في ائتلافها، وكأنما يسمع الرعد القاصف أو الآذي الصاخب، أو البلابل الغريدة، أو نجوى النفوس، وهمسات الفؤاد، وخواطر الضمير. ومن ذلك خصت اللغة كل صوت باسم، وكل لون بميزة، وكل طور في الحياة يعلمه، وكثرت فيه الكلمات والتراكيب التي تحكي صوت الطبيعة، وتدل بجرسها على معانيها. ومن ذلك الصخب لصوت الخصومة، والزجل رفع الصوت عند الطرب، واللجب صوت العسكر، والهتاف رفع الصوت بالدعاء، وزئير الأسد. ونباح الكلب, وضُباح الثعلب. ومواء الهرة. ويقال: جيش لجب وعسكر جرار. كما يقال أصفر فاقع. وأحمر قان. وأسود حالك إلى غير ذلك. ويحسن مثالًا لذلك ما ورد لأبي زبيد الطائي في صفة الأسد. "وأقبل أبو الحارث من أجمته3. يتظالع4 في مشيته، كأنه مجنوب أو في هجار5 لصدره نحيط ولبلاعمه غطيط6. ولطرفه وميض. ولأرساغه نقيض1 كأنما يخبط هشيما، أو يطأ صريما2، وإذا هامة كالمجن3، وخد كالمسن4، وعينان سجراوان5 كأنهما سراجان يتقدان"6 ولا يظن أن ذلك إغراب في اللفظ وإنما هي الدقة في تحديد الأفكار، وتصوير العواطف، وحكاية الحوادث.
4- يجب أن تكون التراكيب والعبارات ذات نغمة عامة ملائمة لما يوصف سواء أكان منظرًا رائعًا يبعث الإعجاب، أم معركة حامية تثير الرهبة أو حوادث متتابعة تملك العقل، أو يأسًا قاتلا أم أملا عريضًا، بحيث يكون الأسلوب اللفظي حكاية الأسلوب المعنوي، ويتحقق بذلك ائتلاف اللفظ والمعنى كما بينا ذلك في فنون الشعر ولذلك تجد الوصف النثري مختلف العبارات قوة ولينًا باختلاف الموضوعات كما رأيت في الموضعين السابقين. روعة في الأول. ورهبة في الثاني. وقد أورد ابن الأثير7 في هذا المعرض مثال لقوة الأسلوب وجزالته وقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُمْ مَا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} . وأورد مثال الرقيق ممن الألفاظ قوله تعالى: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى، وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى، وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَى، وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} .
5- وكما يكون الوصف حسيًّا يتناول مظاهر الأشياء ثابتة ومتحركة كذلك يتناول النواحي المعنوية، كالفضائل النفسية والعواطف النبيلة والآلام المبرحة، والآمال البهيجة، وما يدور في النفس من شك ويقين، ومن أمثلة ذلك ما كتبه طه حسين في وصف الفيلسوف الحائر "ثم يخيل إلى الفتى كأن عقله قد وقف عن التفكير، وكأن قلبه قد عجز عن الشعور حينا، كأن في نفسه شيئًا يشبه النوم، وليس بالنوم، وكأنه يسمع الصوت الغليظ الخشن وهو يبعث في الفضاء قهقهة عالية ملؤها السخرية والاستهزاء. فيعود الفتى إلى شعوره الأليم وتفكيره العقيم، وإذا هو يسأل نفسه مرة أخرى فيها سخرية مرة واستهزاء حزين فهو يسأل نفسه ألا يمكن أن يكون هذا الصوت: ما هو؟ وما عسى أن يكون؟ وترتسم على ثغره ابتسامة أخرى عن هذا الصوت الذي أغراه بالعودة صوت إله من هؤلاء الآلهة القدماء الذين كان يعبدهم، ويقبل عليهم في المدينة مع صاحبيه ثم لم يلبث أن شك فيهم وتنكر لهم وأعرض عنهم، واستجاب لصديقه الشيخ وجعل يبحث عن آله جديد دون أن يبلغه أو يهتدي إليه، فأضاع نفسه بين قديم كان يعرفه، وجديد لا يألفه"1. وللجاحظ قطع رائعة من هذا الضرب منبثة في البخلاء والحيوان2..
1-تعريفه :
الوصف عبارة عن بيان الموصوف باستيعاب أحواله وصفاته .
2 -أصوله :
أصول الوصف ثلاثة :
أ- أن يكون الوصف في الموصوف على الحقيقة .
ب- أن يكون الوصف ذا حلاوة وطلاوة .
جـ - ألا يخرج عن حدود المبالغة والإسهاب .
3-أنواعه :
للوصف أنواع كثيرة ترجع إلى قسمين :
أ- وصف الأشياء ( الأمكنة –الحوادث – مناظر الطبيعة ) .
ب- وصف الأشخاص ( الصورة – الطبع – الصورة والطبيعة معا ) .
4-الوصف الأدبي : تصوير المشاهد والمشاعر ( الطبيعة – الإنسان – الآثار المنشآت الجميلة – الحوادث الكبيرة ) من خلال تصوير خواص الأشياء الحسية والمعنوية من خلال اللغة وله أنواع :
أ- وصف مجرد خال من الإضافات الخيالية ( وصف الطبيعة ) .
ب – وصف نفسي : يتجه إلى تحليل النفس الإنسانية وسبر أغوارها تمتزج فيه أحاسيس نفس الكاتب تجاه الموصوف مستعينا ٍبالخيال .
ج – الوصف المعنوي للفضائل والرذائل والقيم ( آمال – آلام – عواطف نبيلة ) .
أ-فالوصف المجرد : تفسر فيه العناصر التي تكون تفسيرا موضوعيا . ويتجنب الواصف الإثارة والانفعال , وتؤدي الكلمات معانيها مباشرة , ويعني الكاتب بالتفاصيل العلمية الدقيقة . ويغلب على الأسلوب الوضوح ومجافاة الخيال , ويعد هذا اللون من الوصف وصفا علميا من حيث أسلوبه اللفظي
ب-أما الوصف النفسي : وهو وصف أدبي يقوم على اختيار أهم العناصر التي تميز الموصوف وتكون مصدر الجمال والتأثير ثم تفسر هذه العناصر تفسيرا عاطفيا ً خياليا متأثرا بمزاج الأديب وذكائه , ولما كان هذا اللون من الوصف يعتمد على الخيال في التصوير . كانت عبارته حاوية مختلف الصور الخيالية : (من تشبيه واستعارة وكناية . . .) لأن في كل صورة ميزة لتقوية المعنى , أو تجسيده , أو إلحاقه بما هو أقوى منه استجابة لقوة العاطفة والانفعال . ويجب أن تكون الكلمات من الدقة بحيث تكون صدى صادقا لما تحكي من صوت أو تؤدي من معنى ولون
5-أسباب أهمية الوصف :
وتأتي أهمية الوصف الأدبي لأمور عدة :
1- كونه أداة ووسيلة وغاية لإمتاع النفس .
2- الوصف المعبر عامل إثارة وانفعال يحرك الرغبة في معرفة خواص الموصوف
3- كونه يستعين بالخيال في إبراز خواص الموصوف( التصوير ، والتشخيص ) .




المستشار الأدبي
حسين علي الهنداوي
شاعر وناقد
مدرس في جامعة دمشق
دراسات جامعية-في الأدب العربي
صاحب الموسوعة الأدبية (المرصد الأدبي )
حجم الموسوعة( خمس عشرة ألف صفحة )
سوريا -درعا- hoshn55@gmail.com
السيرة الذاتية للمستشار الأدبي(حسين علي الهنداوي)
أ- أديب و شاعر وقاص ومسرحي و ناقد و صحفي
ب- له العديد من الدراسات الأدبية و الفكرية
ج-نشر في العديد من الصحف العربية
د- مدرس في جامعة دمشق - كلية التربية - فرع درعا
ه- ولد الأديب في سوريا – درعا عام 1955 م
و- تلقى تعليمه الابتدائي و الإعدادي و الثانوي في مدينة درعا
ح- انتقل إلى جامعة دمشق كلية الآداب – قسم اللغة العربية و تخرج فيها عام 1983
ك- حائز على إجازة في اللغة العربية
ص-حائز على دبلوم تأهيل تربوي جامعة دمشق
ع- عمل محاضراً لمادة اللغة العربية في معهد إعداد المدرسين - قسم اللغة العربية في مدينة درعا
ف- انتقل إلى التدريس في المملكة العربية الســـعودية عام (1994 /2000 ) في مدينتـــي عنيزة و تبوك 0
1- عضو اتحاد الصحفيين العرب
2- عضو اتحاد كتاب الانترنت العرب
3- عضو تجمع القصة السورية
4- عضو النادي الأدبي بتبوك
مؤلفاته :
أ*- الشعر :
1- هنا كان صوتي و عيناك يلتقيان/1990
2- هل كان علينا أن تشرق شمس ثبير/1994
3- أغنيات على أطلال الزمن المقهور /1994
4- سأغسل روحي بنفط الخليج /1996
5- المنشّى يسلم مفاتيح إيلياء/1996
6- هذه الشام لا تقولي كفانا / مخطوط
ب*- القصة القصيرة :
شجرة التوت /1995
ج – المسرح :
1- محاكمة طيار /1996
2- درس في اللغة العربية /1997
3- عودة المتنبي / مخطوط
4- أمام المؤسسة الاستهلاكية / مخطوط
د – النقد الأدبي :
1- محاور الدراسة الأدبية 1993
2- النقد و الأدب /1994
3- مقدمتان لنظريتي النقد و الشعر / مخطوط
4- أسلمة النقد الأدب
هـ - الدراسات الدينية :
1- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الأول
2- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثاني
3- الإسلام منهج و خلاص ـ الجزء الثالث
4- فتاوى و اجتهادات / جمع و تبويب
5- هل أنجز الله وعده !!!!!!
و- موسوعة (المرصد الأدبي) :
1-تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية ( معاني الأدب وعلاقاته)
2 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية قبل الإسلام (العصر الجاهلي )
3 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر صدر الإسلام )
4 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الراشدين )
5 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية (عصر الخلفاء الأمويين)
6 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العباسيين )
7 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء الأندلسيين )
8 - تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الدول المتتابعة )
9- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية(عصر الخلفاء العثمانيين )
10- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العصر الحديث)
11- تاريخ الأدب والنقد والحكمة العـربية والإسلامية في (العهد المعاصر)