الاعتكاف في أواخر شهر رمضان
هو سنة مؤكدة غفل عنها كثير من الناس في هذا الزمان إلا من رحم الله وربما اندثرت ولم يبق إلا اسمها في الكتب ألا وهي سنة الاعتكاف وبالأخص في العشر الأواخر من رمضان فالنبي صلى الله عليه وسلم واظب عليه طول حياته وقد قال الإمام الزهري رحمه الله (عجباً لأمر الناس كيف تركوا الاعتكاف والنبي صلى الله عليه وسلمكان يفعل الشيء ويتركه إلا الاعتكاف فإنه لم يتركه) ومن الأدلة على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلمعلى الاعتكاف في الصحيحين ما روي عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلمكان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده)

وما روى أبو هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري كان النبي صلى الله عليه وسلميعتكف في كل رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوماً) والاعتكاف لزوم المسجد للتَّفّرُّغ لطاعة الله عز وجل وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال الله عز وجل: «ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد» (سورة البقرة، الآية: 187)، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكف أصحابه معه وبعده، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ثم اعتكف العشر الأوسط ثم قال: إني اعتكف العشر الأول التمس هذه الليلة ثم اعتكف العشر الأوسط ثم أتيت فقيل لي إنها في العشر الأواخر فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف)
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عزَّ وجلّ ثم اعتكف أزواجهُ من بعده) وفي صحيح البخاريِّ عنها أيضاً قالت:
(كان النبيُ صلى الله عليه وسلم يعتكفُ في كلِّ رمضان عشرة أيام فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً) وعن أنس رضي الله عنه في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وصححه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان فلم يعتكف عاماً فلما كان العام المقبل اعتكف عشرين) وعن عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلمإذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه فاستأذنته عائشة فأذن لها فضربت لها خِبَاءً، وسألت حفصة عائشة، تستأذن لها ففعلت فضربت لها خِبَاءً فلما رأت ذلك زينب أمرت بخِبَاءً فضرب لها فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الأخْبِيَة قال: ما هذا ؟ قالوا: بناء عائشة وحفصة وزينب قال النبي صلى الله عليه وسلمآلِبَّر أردن بهذا ؟ انزعوها فلا أراها) فنزعت وترك الاعتكاف في رمضان حتى اعتكف في العشر الأول في شوال وفي البخاري ومسلم في روايات وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله لا أعلم عن أحد من العلماء خلافاً أن الاعتكاف مسنون.

والمقصود بالاعتكاف:

انقطاع الإنسان عن الناس ليتفرغ لطاعة الله في مسجد من مساجده طلباً لفضله وثوابه وإدراك ليلة القدر ولذلك ينبغي للمعتكف أن يشتغل بالذكر والقراءة والصلاة والعبادة وأن يتجنب مالا يعنيه من حديث الدنيا ولا بأس أن يتحدث قليلاً بحديث مباح مع أهله أو غيرهم لمصلحة.
لحديث صفية أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً فأتيته أزوره ليلاً فحدثته ثم قمتُ لاَّنقلب (أي لأنصرف إلى بيتي) فقام النبي صلى الله عليه وسلممعي)
ويحرم على المعتكف الجماع ومقدماته من التقبيل واللَّمس لشهوة لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) وأما خروجه من المسجد فإن كان ببعض بدنه فلا بأس به لحديث عائشة رضي الله عنهـا قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُخرجُ رأسه من المسجد وهو معتكف فأغسله وأنا حائض)
وفي رواية كانت ترجّل رأس النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهي حائض وهو معتكف في المسجد وهي في حجرتها يناولها رأسه) وإن كان خروجه بجميع بدنه فهو ثلاثة أقسام.
الأوَّلُ: الخروج لأمر لابدَّ منه طبعاً أو شرعاً كقضاء حاجة البول أو الغائط والوضوء الواجب والغسل الواجب لجنابة أو غيرها والأكل أو الشرب فهذا جائز إذ لم يمكن فعله في المسجد فإن أمكن فعله في المسجد فلا مثل أن يكون في المسجد حمام يمكنه أن يقضي حاجته فيه وأن يغتسل فيه أو يكون له من يأتيه بالأكل والشراب فلا يخرج حينئذ لعدم الحاجة إليه.
الثاني: الخروج لأمر طاعة لا تجب عليه كعيادة مريض وشهود جنازة ونحو ذلك فلا يفعله إلا أن يشترط ذلك في ابتداء اعتكافه مثل أن يكون عنده مريض يجب أن يعوده أو يخشى من موته فيشترط في ابتداء اعتكافه خروجه لذلك فلا بأس به.
الثالث: الخروج لأمر ينافي الاعتكاف الخروج للبيع والشراء وجماع أهله ومباشرتهم ونحو ذلك فلا يفعله إلا بشرط ولا بغير شرط لأنه يناقض الاعتكاف وينافي المقصود منه.