النحو الفطري _ تعليم النحو بالفطرة

بسم الله الرحمن الرحيم
طلب مني أحد الأصدقاء أن أشرح له تعليق الجار والمجرور بالفعل فطلبت منه أن يضع أمامه ورقة وقلم ومرسمة ثم قلت له : اكتب بالقلم الله أكبر فكتب.
ثم سألته : لماذا كتبت بالقلم ولم تكتب بالمرسمة؟
قال : لأنك قلت(اكتب) بالقلم.
قلت له : بل لأن عقلك علق الجار والمجرور (بالقلم) بالفعل (اكتب) فكتبت بالقلم لا المرسمة.
فقام وهو يضحك.
بالفعل المسألة مضحكة لأنه يبحث عن النحو عند المتخصصين فيه وفي الكتب والنحو في عقله قد علمه الله إياه( خلق الإنسان _ علمه البيان) فكأنه يبحث عن شيء في يده.
النحو نحوان علم النحو وهو العلم المعروف الذي في الكتب والنحو الفطري وهو النحو الذي في عقول الناس ويظهر أثره في كلامهم وعلم النحو ماهو الا تحويل السليقة العربية ( النحو الفطري) الى علم وبهذا صار عندنا للنحو نسختان نسخة في عقول الناس وفي كلامهم وهي النسخة الأصلية ونسخة هي علم النحو الذي في الكتب وهو تصور العلماء الأوائل للنسخة الأصلية هذه والتي سموها السليقة وهذه السليقة مازال أكثرها في عقول الناس وفي كلامهم تنضح به ألسنتهم الا أشياء اختفت منهأ مثل إعراب الكلام أي نطقه معربا بالحركات الإعرابية وهذا قيل أنه اختفى تماما من الحواضر في القرن الثالث الهجري ومن البوادي في القرن الخامس الهجري.
وسأكت بإذن الله تعالى في هذا المقال عن هذا الذي بقي في عقول الناس وفي كلامهم وان شاء الله له فوائد كثيرة من أهمها تعليم النحو بالفطرة.

نظرية العامل
اكتب لأي طفل أو أي شخص لا يعرف النحو هذه الجملة أو مايشبهها غير مرتبة :
مبكرا المدرسة ذهب ال زيد.
ثمرقل له : هل لهذا الكلام معنى؟
سيقول : لا.
فقل له : لماذا؟
سيقول : لأنه غير مرتب. أو لا يستطيع الإجابة وفي الحالتين قل له : هل تستطيع أن تجعل له معنى؟
سيقول نعم ثم يكتب : ذهب زيد الى المدرسة مبكرا.
قوله : غير مرتب وإعادته ترتيب الجملة دليل على أن عقله يرتب الكلام ليعمل العامل في المعمول إذ لا يكون للكلام معنى الا بهذا.
والنحو يقوم على نظرية العامل وعناصرها الأربعة :
العامل.
المعمول.
العمل.
علامة العمل.
مثلا : قام زيدٌ.
العامل : قام.
المعمول : زيد.
العمل الذي أحدثه العامل في المعمول: الرفع.
علامة العمل: الضمة.

موضوع مفيد جدا بارك الله فيكم الاستاذ حالد ابو اسماعيل.

موضوع مفيد جدا بارك الله فيكم الاستاذ حالد ابو اسماعيل.

جزاك الله خيرا وبارك فيك ونفع بك

العقل يرتب الكلام على مستويين مستوى نحوي لإعمال العامل في المعمول ومستوى بلاغي وجرسي.
يدل على ذلك في المستوى النحوي أنك إذا قلت لشخص لايعرف علم النحو رتب الكلمات التالية ليكون لها معنى :
زيداً _ إنَّ _ مجتهدٌ
فلن يقول الا :
إنَّ زيداً مجتهدٌ
ولو تأملنا فإن احتمالات الترتيب ستة هي :
زيداً إن مجتهد
زيداً مجتهد إن
مجتهد زيداً إن
مجتهد إن زيداً
إن مجتهد زيداً
إن زيداً مجتهد
وجميع هذه الاحتمالات لاتعمل إنَّ في اسمها زيداً الا في احتمال واحد هو : إن زيداً مجتهدٌ فرتب عقله الكلمات على هذا النحو ليعمل العامل في المعمول.

العوامل عند البصريين كلها لفظية الا عاملين هما الإبتداء عامل رفع المبتدأ ومضارعة الاسم عامل رفع الفعل المضارع والعوامل اللفظية عندهم هي باختصار :
أولا :الفعل وعمل لأن الأصل فيه أن يعمل وكان الأصل فيه العمل لأنه يدل على الحدث ومقتضياته كثيرة كالفاعل والمفعول به وزمان ومكان يحدث فيهما.... الخ.
ثانياً: الاسم والأصل فيه ألا يعمل والأسماء التي عملت إنما عملت بسبب كعمل اسم الفاعل لشبهه بالفعل المضارع وكقولك : زيد حاتم طيءٍ اليومَ. عمل في الظرف معنى الجود في كلمة حاتم..... الخ.
ثالثاً : الحروف وعمل منها الحرف الذي اختص كاختصاص حروف الجر بالاسم واختصاص لن ولم بالفعل المضارع.

المعمولات
أولا : الاسم ماعدا أسماء كعشرة في اثنتا عشرة فلامحل لها من الإعراب وكانت الأسماء معمولة لأن الأصل فيها ذلك فهي التي تتعرض للعوامل فتكون فاعلة ومفعولة وهكذا.
ثانياً: الفعل المضارع وليس الأصل فيه أن يكون معمولا ولكن صار معمولا لعلاقته بالاسم يدل على ذلك أنك تقول : إن زيدا لقائم ثم تقول : إن زيدا ليقوم فتدخل لام التوكيد على الفعل المضارع كما أدخلتها على اسم الفاعل وعلاقة الفعل المضارع باسم الفاعل هي أنه أعطى اسم الفاعل العمل فصار عاملا واسم الفاعل أعطاه المعمولية فصار معمولا لقوة التشابه بينهما.
العمل
العمل أربعة هي : الرفع والنصب والجر والجزم ثلاثة للاسم هي : الرفع والنصب والجر وثلاثة للفعل المضارع هي : الرفع والنصب والجزم.
علامات العمل
هي علامات الإعراب وهي :
أولا : الرفع وعلاماته الضمة والألف للمثنى والواو لجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة وثبوت النون للأفعال الخمسة.
ثانيا : النصب وعلاماته الفتحة والياء للمثنى وجمع المذكر السالم والكسرة لجمع المؤنث السالم والألف للأسماء الخمسة وحذف النون للأفعال الخمسة.
ثالثاً : الجر وعلاماته الكسرة والياء للمثنى وجمع المذكر السالم والأسماء الخمسة والفتحة للممنوع من الصرف.
رابعاً : الجزم وعلاماته السكون وحذف حرف العلة للفعل المضارع المعتل الآخر وحذف النون للأفعال الخمسة.

كيف يميز العقل بالفطرة العامل من المعمول ويعرفهما؟
عن طريق الاقتضاءوالاحتياج فالمبتدأ يقتضي خبرا والخبر يقتضي مبتدأ والفعل يقتضي فاعلا ومفعولا به إن كان متعديا والفاعل والمفعول به يحتاجان فعلا ليكونان فاعلا ومفعولا به له وظرفا الزمان والمكان يحتاجان فعلا ليعمل فيهما فيكون ظرف الزمان هو زمان حدوث الفعل ويكون ظرف المكان مكان حدوثه وهكذا.
يدل على ذلك أنك إذا قلت لسخص : زيد
ثم سكت فإنه سيقول لك : مابه؟
وإذا قلت له : مجتهد ثم سكت فإنه سيقول لك : من مجتهد؟
فسؤاله (مابه) بما التي للسؤال عن غيرالعاقل دليل على أنه سمع المُخبر عنه ولم يسمع الخبر فسأل عن الخبر.
وسؤاله (من مجتهد) بمن التي للسؤال عن العاقل دليل على أنه سمع الخبر ولم يسمع المُخبر عنه فسأل عن المخبر عنه( المبتدأ).
وكذلك لو قلت له : أكل التفاحة ثم سكت فسيقول لك : من أكل التفاحة؟ لأنه سمع الفعل والمفعول به ولم يسمع الفاعل فسأل عن الفاعل.
وأيضا لو قلت له : أمس وسكت فإنه سيقول لك : ماذا حدث أمس؟ لأنه سمع زمان حدوث الفعل ولم يسمع الفعل فسأل عن الفعل.
وهكذا يقوم عقل الإنسان بالفطرة بصنع العلاقات النحوية بين الكلمات فيبين الإنسان عما بنفسه ويتعرف عليها فيفهم إبانة الآخرين عما بأنفسم والعملية العقلية لبناء العلاقات النحوية والتعرف عليها واللغة التي يتم بها الإبانة هي النحو الفطري الذي يعد علم النحو تصورا له وكل هذا هو البيان كما سماه الله سبحانه وتعالى في القرآن ( خلق الإنسان _ علمه البيان) وعلم النحو وعلم البلاغة عائدان الى ( علمه البيان) و(خلق الإنسان) و ( علمه البيان) عائدان الى ( علم القرآن) فانطوى بهذا العالم الأكبر _ علما النحو والبلاغة_ بداخل جزء صغير من هذا الجرم الصغير _ الإنسان _ فسبحان الله الذي علمنا البيان.

ولستُ بنحويٍّ يلوكُ لسانهُ***ولكن سليقيٌّ أقولُ فأعربُ
في عقلي النحوي والسليقي نسختان للنحو لكن النحوي يلوك لسانه والسليقي يقول فيعرب.
تفسير ذلك أن النسختين النحويتين في مكانين مختلفين وأضرب مثال على ذلك أنك أيها القارئ عند ذهابك من طريق تعودت أن تذهب منه يومياً يحدث أنك أحيانا تسرح فالعقل الذي سرح هو العقل الواعي والعقل الذي تولى القيادة أثناء سرحانه هو العقل الباطن الذي حفظ الطريق من التكرار.
يدل على ذلك أنك لو قلت قبل ذهابك أنك ستشتري دواء من صيدلية تقع في طريقك فذهبت ولكن قبل وصولك الى موقع الصيدلية سرحت. هل ستقف وتتوجه الى الصيدلية؟
لا لأن توجهك الى الصيدلية لشراء الدواء مخزن في عقلك الواعي الذي كان سارحا وليس مخزنا في عقلك الباطن الذي تولى القيادة أثناء سرحان عقلك الواعي.
هذا مثال تقريبي لفهم الموضوع وبذلك نسخة السليقي مخزنة في موقع يطلق عليه السليقة وهو جزء من عملية البيان الطبيعية التي نتكلم عن طريقها كلامنا اليومي العادي بسرعة وانطلاق وبهذا يكون السليقي منطلقا في كلامه وهو يعرب الكلام أي يقوله بحركات الإعراب فيرفع وينصب.... الخ.
أما النحوي فنسخته النحوية مخزنة في مكان ما في العقل الواعي حيث العلوم التي تعلمها الإنسان وحفظها مخزنة ولذلك إذا تكلم النحوي بسليقته يلوك لسانه لأنه يظطر أن يقحم عقله الواعي لينطق الكلام معربا عن طريق تطبيق قواعد النحو التي تعلمها.
قد تقول أيها القارئ أن فلانا النحوي من زماننا يتكلم بالكلام معربا بانطلاق وسرعة.
أقول لك لايفعل ذلك لأنه تعلم قواعد النحو بل لأنه تدرب على التكلم بالكلام معرباً كثيرا عن طريق الكتابة والتكلم فبدأ عقله الباطن يحفظ فتطورت سليقته فالأمر عائد الى السليقة لا الى العلم والسليقي أفصح من النحوي باتفاق الجميع.
والله أعلم