أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: ٥- عبقرية نظرية ... السر الأعظم (١)

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2021
    المشاركات : 332
    المواضيع : 39
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي ٥- عبقرية نظرية ... السر الأعظم (١)

    اللغة العربية لغة تهيأت لتكون وعاءً للقرآن الكريم :
    (الرحمن - علم القرآن - خلق الإنسان - علمه البيان)
    لاحظ ترتيب الجمل وعدم عطفها على بعض .
    الإنسان خلقه الله سبحانه وتعالى ليعلمه القرآن وأعطاه الأداة التي يتعلم بها القرآن فعلمه البيان أي يستطيع أن يفهم ما أبان عنه غيره كما يستطيع أن يبين عما في نفسه باللغة واختار من اللغات اللغة العربية لتكون هي لغة القرآن ولذلك إذا تأملت في اللغة العربية كأنك تأملت في الكون ترى الإتقان الشديد المعجز وتفردت اللغة العربية بهذا عن لغات التوراة والإنجيل وباقي الكتب لأن هذي الكتب لم يرد الله لها أن تكون معجزة فهي تهيأت لأن تكون وعاء لكلام الله كالقرآن لكنها لم تتهيأ للإعجاز مثله ولولا هذا التهيؤ لكان الإعجاز غير ممكن في القرآن .
    ومن أهم مظاهر هذا التهيؤ هو كثرة أساليب التعبير وغزارتها واللغة العربية تتميز بهذا عن جميع اللغات مثلا في اللغة الإنجليزية لايمكن أن يتأخر الفاعل ويتقدم الفعل لكن في اللغة العربية يتقدم الفاعل على الفعل ويتأخر عنه وفي التقديم معنى وفي التأخير معنى مثلا : نجح زيد - زيد نجح جملة زيد نجح فيها معنى زائد عن جملة نجح زيد وذلك أن جملة زيد نجح جملتان فزيد وهو الفاعل في المعنى هو مبتدأ في تركيب الجملة ونجح فعل والفاعل ضمير مستتر فيه يعود على زيد فصارت الجملة :
    زيد نجح هو
    أي أنها جملتان وزيد تكرر مرتين بينما جملة :
    نجح زيد
    هي فعل وفاعل فقط جملة واحدة .
    أيضا هناك فرق وهذا أصل من الأصول ينبغي الاهتمام به وذلك أن الجملة تبنى ألفاظها على بعض فإذا قلت لشخص :
    نجح ....... ثم سكت
    سيقول لك المخاطب : من الذي نجح ؟
    وهذا دليل أنه بالفطرة سمع الفعل (المُسْنَد ) أي (الحديث )فأراد أن يعرف الفاعل (المُسْنَد إليه ) أي (المُحَدَّث عنه ) .
    وإن قلت له :
    زيد....... ثم سكت
    سيقول لك : مابه ؟
    وهذا دليل أنه سمع المسند إليه أي المحدث عنه فأراد أن يعرف المسند أي الحديث الذي عن زيد .
    فهناك فرق بين أن تبني اسم على فعل مثل : نجح زيد وأن تبني فعل على اسم مثل : زيد نجح .
    ولاتظن أن الفرق في المعنى هو بسبب أن زيد لما تقدم تغير إعرابه من فاعل الى مبتدأ فقط لا هناك أمر خفي هنا وعجيب هو الذي فتح الطريق للشيخ عبدالقاهر الجرجاني في اكتشاف علم البلاغة .
    سأعطيك مثالا فيه الفكرة قبل أن أعطيك الأسلوب الذي عرف الشيخ عبدالقاهر من خلاله قاعدة قد تكون هي أهم قاعدة في اللغة :
    ( تقديم الكلام ليس كتأخيره)
    وفي هذا المثال طريقة كان يستخدمها الشيخ عبدالقاهر في كشف أسرار الأساليب فهذه الأسرار تكون غامضة في الإثبات وتكون واضحة في النفي فكان ينفي الجملة فتكون الكلمة التي تسلط عليها النفي في النفي هي الكلمة التي يكون الاهتمام بها أكثر في الإثبات مثلاٌ :
    جاء زيد مبكرا
    لاتظن أن المتكلم أراد أن يحدثنا عن مجيء زيد بل أراد أن يحدثنا عن تبكيره .
    تفسير ذلك أنه لو قال :
    ما جاء زيد مبكرا
    يكون قد أثبت مجيء زيد ونفى مبكرا ويكون غرضه هو نفي التبكير وليس إثبات المجيء .
    فكما أن غرضه هو هذا في النفي فلابد أن يكون هو غرضه في الإثبات .
    الآن لاحظ هذه الجمل فهي التي أنارت الطريق للشيخ عبدالقاهر وقد تحدث عنها بإسهاب:
    ماضربتُ زيداً
    ما أنا صربتُ زيداً
    مازيداً ضربتُ
    مرة تقدم الفعل ومرة تقدم الفاعل ومرة تقدم المفعول وكان في كل تقديم معنى ليس في الآخرين .
    التركيب الأول :
    ما أنا ضربت زيدا ً:
    تقدم الفاعل
    المتكلم ينفي الفاعل أي ينفي أنه قد ضرب زيد هذا .
    لكن هناك معنى آخر يُفهم ضمنا وهو أنه قد وقع ضرب وهذا الضرب قد وقع على زيد أي الفعل قد حدث والمخاطب يعرف هذا ويعرف الذي وقع عليه الضرب أي المفعول به ويشك أن الفاعل هو المتكلم فنفى المتكلم أنه الفاعل .
    دليل ذلك أن المتكلم يمكن أن يقول :
    ما أنا ضربت زيداً ولكن ضربه عمرو
    فنفى الفاعل ثم بين في الإثبات من هو
    التركيب الثاني
    مازيداً ضربت :
    تقدم المفعول به
    المتكلم هنا ينفي المفعول به أي ينفي أن ضربا قد وقع منه على زيد وليس هذا هو المعنى الوحيد في هذا التركيب بل هناك معنى يفهم ضمنا وهو أن المخاطب يعلم أن المتكلم قد وقع منه ضرب أي يعلم أن الفعل قد حدث ويعرف فاعله ويشك أن زيد هو المفعول به الذي وقع عليه الضرب والمتكلم قدم المفعول به لينفي أن المضروب هو زيد .
    الدليل على ذلك أنه يصح أن يقول المتكلم :
    مازيدا ضربت ولكن ضربت عمراً
    فنفى المفعول ثم بين مثبتاً من هو
    التركيب الثالث :
    ماضربتُ زيداً
    قدم الفعل
    المتكلم ينفي أن ضربا قد وقع منه على زيد ولايتضمن هذا التركيب معنى أن الضرب قد وقع بل يكون قد وقع وقد يكون لم يقع وكذلك لايتضمن أن ضربا قد وقع من المتكلم قد يكون وقع وقد لايكون وكذلك لايتضمن أن ضربا قد وقع على زيد قد يكون وقع وقد لايكون .
    اتضح للشيخ عبد القاهر أن تقديم الكلمة ليس كتأخيرها وثبت لديه ذلك في (النفي) فعرف أنه كذلك في الإثبات :
    إذا قال المتكلم :
    ما أنا ضربت زيدا
    توجه النفي للفاعل دون الفعل ودون المفعول به لأن الفعل قد ثبت ضمنا أنه وقع وثبت أنه قد وقع على زيد المفعول به فالفاعل منفي والفعل والمفعول به مثبتان
    فثبت لديه أن المتكلم إذا قال :
    أنا ضربت زيدا
    توجه الإثبات الى الفاعل وكان الاهتمام به أكثر من الفعل ومن المفعول به وبتقديمه الفاعل يثبت ويؤكد أنه الفاعل .
    وكذلك إذا قدم المفعول به في النفي وقال :
    مازيداً ضربت
    توجه النفي الى المفعول به دون الفاعل ودون الفعل فالفعل مثبت وكذلك الفاعل أما المفعول به فهو منفي.
    فثبت لديه أن المتكلم إذا قال :
    زيداً ضربتُ
    توجه الإثبات الى زيداً المفعول به وكان غرض المتكلم أن يثبت ويؤكد أن المختص بالضرب هو زيد .
    ثم بعد ذلك بفضل الله سبحانه وتعالى لأن علماءنا كانوا ملهمين فاللغة العربية هي لغة الدين عرف الشيخ عبدالقاهر أن التركيب الثالث :
    ماضربت زيدا
    ليس فيه مع نفي وقوع الفعل من المتكلم على المفعول به زيداً إثبات للفاعل أنه وقع منه ضرب أو إثبات للمفعول أنه وقع عليه ضرب .
    فهو ينفي ضرب ولايثبت الضربان الآخران وبهذا يكون :
    ضربت زيدا
    في الإثبات إخبار فقط أن الفعل حدث من الفاعل على المفعول به وليس فيه اهتمام بالفاعل أو بالمفعول به وكذلك ليس فيه اهتمام كثير بالفعل .
    ثم تأمل في هذا فعرف أن تركيب جملة :
    ضربت زيدا .
    ليس فيها معاني بلاغية لأنها :
    (جاءت على أصل التركيب ) أي تركيب الجملة الفعلية :
    فعل + فاعل + مفعول به
    وبهذا يكون ماجاء على أصله النحوي من التراكيب في التقديم والتأخير لايكون فيه معاني بلاغية زائدة عن معنى أصل التركيب وانبثق من هذا القاعد البلاغية الشهيرة :
    (ماجاء على بابه لايُسْأَل عن سره)
    لأن هذا ليس اختيار المتكلم بل هو اختيار اللغة هي اختارت هذا الترتيب أن يكون أصلا فجملة عندي رأي ليس لتقديم الخبر ( عندي) على المبتدأ (رأي) سر بلاغي لأن تقديم الخبر هنا حكمه واجب في النحو بسبب أن المبتدأ نكرة والنكرة لايصح الإبتداء بها فأي تركيب حكمه واجب في النحو لاسر بلاغي فيه لأن المتكلم ليس له فيه اختيار وإنما يكون السر البلاغي في ماكان للمتكلم فيه اختيار فيقوم باختيار مايناسب المعنى من التراكيب والأساليب حسب أغراضه ومقاصده وهذا هو معنى تعريف البلاغة :
    مطابقة الكلام لمقتضى الحال
    واستمر الى يومنا هذا هذا التعريف لم يعترض عليه أحد وهذا دليل صوابه ودقته .
    وهكذا عرف الشيخ عبدالقاهر أن إعجاز القرآن وبلاغة شعر الناس ونثرهم في التركيب وليست في اللفظ لأن اللفظ موجود في كلام الناس وليست في المعنى بل قال بأن من قال أن البلاغة في المعنى فقد أبطل إعجاز القرآن من حيث لايعلم لأن المعاني كما قال الجاحظ ملقاة في الطريق وإنما دخلت هذه الشبهة على من قال بها في بلاغة الشعر من جهة المعاني المخترعة البديعة وقد يكونون معذورين فالمعاني البديعة في الشعر تسحر الألباب لكن ليس مجالها في البلاغة لأن البلاغة لاتكمن في المعنى العام ولكن في معاني زائدة عن المعنى العام جلبتها الأساليب التعبيرية وهذي المعاني الزائدة نوعان :
    الأول : التي تسمى الأغراض البلاغية وذلك كأن نقول : من أغراض تقديم الخبر على المبتدأ الاختصاص والتشويق .
    وهذه أغراض حصرها العلماء .
    الثاني : معاني لاحصر لها إضافية على المعنى العام يدل عليها التركيب أو الأسلوب في ضوء التركيب وذلك كأن يسأل أحدهم :
    مالحكمة من تقديم الجن على الإنس في هذه الآية : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
    وهذه الآية :
    {وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}
    فيقال له لما كان الحديث عن الخلق كان تقديم الجن يدل على تقدمهم في الخلق على الإنس ولما كان الحديث عن الجنود كان تقديم الأقوى الذي يتميز بقدرات خارقة مثل الكوماندوس وفي حادثة عرش بلقيس العفريت الذي من الجن كان سيأتي بعرشها بقدراته الخاصة أما الذي عنده علم من الكتاب إنما أتى به بالعلم الذي في هذا الكتاب .
    هل هذان المعنيان هما فقط سر هذا التقديم ؟
    كلا لأن هذا التقديم لابد أن تكون طاقته التعبيرية في القرآن قد تجاوزت المقدرة البشرية لتصل الى المستوى الإلهي فيكون الفرق بين كلام الله وكلام الناس كالفرق بين الله والناس فلابد أن يكون لهذا التقديم معاني غزيرة تكتشفها الأجيال جيلا بعد جيل لأن القرآن من صفاته أنه لايبلى من كثرة النظر والتفتيش فيه .
    فمن هذي المعاني أن الإنس عبدوا الجن فقدم خلق المعبود بغير حق على خلق عابده تقريرا لمبدأ المخلوقية في هذا المعبود بغير حق قال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ)
    عبدوا آلهة لاتخلق شيئا ً وهذي غباوة عظيمة لكن الغباوة الأعظم أن هذه الآلهة مخلوقة أي صفة المخلوقية فيهم أقدم من عابديها فقدم الأقدم في الصفة ثم كيف يعبد المخلوق مخلوقا أليس الأولى أن يعبد خالق معبوده المخلوق .
    لنعد الى سورة الرحمن :
    (الرحمن - علم القرآن - خلق الإنسان - علمه البيان )
    الإنسان معناها كل إنسان وهذا يعني أن الإنسان غير العربي وغير المسلم الذي لايعرف اللغة العربية يعلم أن القرآن كلام الله .
    كيف هذا ؟
    هنا يتضح لنا السر الأعظم في إعجاز القرآن
    يتبع بإذن الله

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Aug 2021
    المشاركات : 332
    المواضيع : 39
    الردود : 332
    المعدل اليومي : 0.34

    افتراضي

    كان الشيخ عبدالقاهر يتحدث كثيرا على أن في اللغة أسراراً ليس من اليسير معرفتها ولذلك سمى كتابه (أسرار البلاغة) وقد تكلم في أكثر من موضع تكلم الواثق من نفسه كلاما عجيبا قال في موضع في دلائل الإعجاز :
    : « لا يعلم هؤلاء أن هاهنا دقائق وأسرار
    ً طريــق العلم بهــا َّ الر ِوَّيةوالفكر،
    ولطائف مســتقاها العقل،وخصائص معان ينفرد
    بهــا قوم قد ُُهُدوا إليها ُُودُلواعليها ُُوكُشــف لهم
    عنهــا، ورُفعــت الحجــب بينهــم وبينهــا، وأنها
    السبب في أن عرضت المزية في الكلام، ووجب
    أن يفضــل بعضــه ً بعضاوأن يبعد الشــأوفي ذلك
    وتمتــد الغايــة، ويعلو المرتقــى ويعــز ُ المطلب
    حتــى ينتهــي الأمر إلــى الإعجــاز،وأن يخرج من
    طوق البشــر »
    كلام عجيب كنت أتعجب منه كيف يقوله الشيخ حتى قرأت هذه الآية :(وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ)
    فجعلت عنوان المقال السر الأعظم لأن هدفي هو نشر علم الشيخ عبدالقاهر وطريقة تفكيره.
    وقال الشيخ عبدالقاهر متحديا في قصيدته عن النظم :
    إني أقول مقالا لست أخفيه
    ولست ارهب خصما ان بدا فيه

    ما من سبيل الى اثبات معجزة
    في النظم الا بما اصبحت ابديه

  3. #3
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,138
    المواضيع : 318
    الردود : 21138
    المعدل اليومي : 4.94

    افتراضي

    تُعدّ نظرية النظم عند الجرجاني من أهم النظريات في البلاغة العربية،ومعناه التأليف،
    ومعنى النظم في اصطلاح البلاغيين والنقاد (تنسيق دلالة الألفاظ وتلاقي معانيها بما تقوم عليه
    من معاني النحو والموضوعة في أماكنها على الوضع الذي يقتضيه العقل).
    «إن غاية ما يسعى إليه عبد القاهر من نظريته هو الوصول بتعبيراتنا اللغوية إلى مستوى رفيع؛ ليأتي التعبير عن المعاني
    مساو للحقيقة الراسخة في نفس السامع والقارئ والمتكلم، دون زيادة أو نقصان، ودون حاجة إلى اجتهاد في تأويل أو تفسير،
    بل يجب أن تأتي صور الكلام مساوية المعاني صورة بصورة، حسا وحركة وحيوية ولونا ومفهوما دون ملابسة»،
    ويبدي عبد القاهر رأيه في هذه المزية اللغوية بقوله:«واعلم أن الفائدة تعظم في هذا الضرب من الكلام إذا أنت أحسنت النظر
    فيما ذكرت لك من أنك تستطيع أن تنقل الكلام في معناه عن صورة إلى صورة، من غير أن تغير من لفظه شيئا. أو تحول كلمة عن مكانها إلى مكان آخر.
    بوركت ـ ولك تحياتي.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4