هذا الشرط من شروط " الإمامة " ادانة لداعش والتنظيمات التى تتنافس الزعامة تحت عنوان " إمتداد نسب زعيمها إلى قريش " .. ففى سقيفة بنى ساعدة دار النقاش حول توازنات وموازين القوى السياسية ولم يحدث الخلاف بينهم على خلفية دينية ؛ فالمعالجة لنزاع من يخلف الرسول صلى الله عليه وسلم فى إدارة شئون الدولة كانت معالجة سياسية ، حرص الجميع فيها على مراعاة موازين القوى والمصلحة العامة . إحقية قريش كان لكونها جماعة وعصبة مسيطرة تملك مقومات وامكانيات السيطرة والنفوذ ، كما روعيت الكفاءة ومصحة الدولة الوليدة ، عندما قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه : " لا تدين العرب إلا لهذا الحى من قريش " ؛ فعامل التفاضل هنا ليس دينياً إنما مرجعه لتوازنات القوى على الأرض ، وهو ما إستجاب له الأنصار فى النهاية وإقتنعوا به ، لأنهم أيقنوا أن رؤية المهاجرين أقرب للواقع ولتحقيق المصالح المشتركة بإسناد الأمر لكيان يمنع المزايدات حول قضايا خلافية ، وقادر على فرض الإستقرار وإخضاع الجميع لحكمه . يزعم المغامرون من هواة الزعامة فى التنظيمات والجماعات وجوب إمتداد نسب حاكم الدولة إلى قريش – حيث كان شرطاً من شروط الخلافة بالماضى - . هذا الشرط له قراءة وتطبيق مختلف الآن فى عصرنا هذا .. وإبتداءاً لا قيمة لنسب أصيل وعريق إذا كان صاحبه مستبداً أو ظالماً ولا يقيم العدل ويستغل نفوذه وسلطاته لتحقيق مصالح شخصية ، فالنسب قضية تأتى بعد توفر العدالة والأمانة والكفاءة والخبرة .. ويقصد به بحسب مستجدات العصر وحسب الزمن الذى نعيش فيه أن يكون الرئيس والحاكم من أسرة ذات مكانة ومنعة وقوة ، وقد لا تكون أسرة أو عائلة إنما قد يحقق هذا المطلب ويوفره له حزب سياسى أو هيئة أو كيان اجتماعى مرموق له إنتشاره ونفوذه فى المجتمع ، فالقصد ليس " القرشية " بحد ذاتها .. حيث من الصعب الحصول على صاحب نسب قرشى الآن . وحيث لم يعد الآن لقريش هذا النفوذ والحضور الإجتماعى والسياسى الذى كانت تدعم به المنتسب إليها سياسياً وإجتماعياً فى عهد الصحابة . بمعنى أن " القرشية " اليوم لا تتحقق بالإنتساب لقريش ، إنما مفهومها العصرى – بالقياس على مقصدهم منها بالماضى - هو الإنتساب لكيان أو حزب يشكل الأغلبية الشعبية . هذا البعد المهم فى تلك القضية التى تثير خلافات وصراعات على زعامة " الجماعات الاسلامية " ودولة داعش أشار اليه المفكر المرموق إبن خلدون رحمه الله عندما قال .. " إذا بحثنا عن الحكمة فى إشتراط النسب القرشى ومقصد الشارع منه لم يقتصر فيه على التبرك بوصله للنبى صلى الله عليه وسلم كما هو المشهور ، وإن كانت تلك الوصلة موجودة والتبرك بها حاصل ، لكن التبرك ليس من المقاصد الشرعية كما علمت ، فلابد اذاً من المصلحة فى إشتراط النسب وهى المقصودة من مشروعيتها ، وإذا سبرنا وقسمنا لم نجدها إلا إعتبار العصبية التى بها الحماية والمطالبة ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب فسكن إليه الملة وأهلها وينتظم حبل الألفة فيها ، وذلك أن قريشاً كانوا عصبة مضر وأصلهم وأهل الغلب منهم فلو جعل الأمر فى سواهم لتوقع إفتراق الكلمة بمخالفتهم وعدم إنقيادهم " . معنى هذا الكلام أن أمراء الجماعات والتنظيمات يتنازعون على شكل وعنوان وليس على قيمة ومقصد القضية وجوهر المسألة ؛ فلم تعد قريش بنفوذها ومنعتها موجودة الآن لتحقق هذه الغاية للحاكم المنتسب إليها - إذا افترضنا وتحقق فعلاً هذا النسب - ، إنما يتحقق المقصد بإنتساب الرجل لكيان أو أسرة أو مؤسسة أو حزب يحقق به الغلبة وتجتمع حوله الكلمة