مُعلقة على أسوار الحب
عبد اللطيف السباعي (غسري)
نبَستْ مَفاتِنُها بما لم أنْبِسِ
قالتْ هنا حُسْنُ التجَلِّي فاجْلِسِ
وَامْلأ قواريرَ المسَاءِ مُدامةً
واسْقِ الفؤادَ قصيدةً واسْتأنِسِ
إن ضَلَّ صوتِي عن مسامِعِكَ اسْتمِعْ
أو غابَ عنكَ هِلالُ وجْدِيَ فاحْدِسِ
وانسُجْ على مِنوالِ همسيَ بُردةً
واصرُخْ إليَّ بِمِلْءِ صوتِكَ واهْمِسِ
هذي حديقتيَ الصغيرةُ فانتسِبْ
هذا غديري تحتَ رجْلِكَ فاغْْطِسِ
نامتْ على كتِفيْكَ عاطفتِي التي
طهرتُها مِن ليلِيَ المُتكَدِّسِ
فتحَسَّسِ الوردَ الذي يعْتادُها
وعليهِ فَاحْنُ بظلكَ المُتحَسِّسِ
أتُراكَ أرْخَيْتَ الستائرَ جُملةً
ورَغِبْتَ يا صِنوَ الندى عن مَجلسي
خبَرُ التمَنُّعِ في يَديْكَ جَريدةٌ
مشؤومةٌ كصحيفةِ المُتلمِّسِ
هل أشتكيكَ لبَعضِ أنسامِ الدُّجَى
أم للشذا أشكوكَ أم للنرجِس
قلتُ اسْتريحِي فوقَ ظِلِّيَ والْبَسِي
أثوابَ قافيَتِي ولا تتوَجَّسِي
إنِّي إذا الشَّفقُ الْتَقَتْ أذيالُهُ
في وَجْنتيْكِ معَ الجَواري الكُنَّسِ
أهْفو وَتَشْتعِلُ القصيدَةُ بُرْهَةً
في خَدِّ ناصِيَتي أسيلِ المَلْمَسِ
وأهُزُّنِي صَخَبًا فَتلْتَقِطُ الصَّدى
قِمَمُ الغَمائِمِ أوْ سفُوحُ الأطْلسِ
ميسي على أوتارِ عِشْقِيَ واسْبَحِي
كالطَّيْفِ في ملكوتِ صَمتِيَ وَانْعَسِي
ما خَطبُ قلْبِكِ بينَ كفَّْيْكِ اسْتوَى
مُتََضَرِّجًا بالقافِياتِ الخُنَّسِ
ودَمُ الكلامِ يسيلُ مِنْ شفَتَيْكِ .. لا
يَمْتارُ إلاَّ مِن غَمَامٍ أخْرَسِ
ما خَطْبُهُ... تتَأجَّجُ الكَلِماتُ مِنْ
جَمَرَاتِهِ في جَوْفِ لَيْلٍ أشْرَسِ
حَمِيَ الوَعيدُ على شِفَاهِ بَنَفْسَجٍ
وَاليَاسَمِينُ بِلَوْنِ حُزْنِكِ يَكْتَسِي
لا تشْتكي يا دُرَّةً تَحْتَلُّنِي
إنِّي لأبْحَثُ مِنكِ عَن مُتَنَفَّسِ
فيَضِيقُ أفْقٌ تمْكُثِينَ ببَابِهِ
وتضيقُ أقْفاصُ الدجى بالنوْرَسِ
هل تَحْسَبينَ حَريرَ حُسْنِكِ آسِري
مَزَّقْتُ أشْرِطَةَ الحَريرِ بِمَلْبَسِي
ما عادَ أنْسُكِ يَسْتبِدُّ بِوَحدتِي
فدعِي بَساتِينِي ولا تتَجَسَّسِي
إن كانَ بَعْضُ شذاكِ قدْ بَلغَ المدى
فَتَطيَّبَتْ مِنهُ أنوفُ الجُلَّسِ
فتذَكَّري أنِّي أجوسُ البحرَ في
لغَتِي ... حُدودُ حِمايَ صوتُ الهجْرسِ
خَفَضَتْ جَناحَ الهَمسِ بعدَ تحَمُّسِ
وتنَهَّدتْ بتوَجُّعٍ وتوَجُّسِ
والليلُ مُعْتكِفٌ بمَعْبَدِ ثوْبِها
والأقحوانُ يَغُطُّ فوقَ السُّندُسِ
وأصَابِعُ الفَجْرِ الفَتِيِّ على المَدى
تدْنو فَتَرْقُبُ جَمْعَنا بِتَفَرُّسِ
وفَرَاشَةُ التوق القَريبَةُ تنتَشِي
فَتكادُ تَجْذِبُنا اشْتِهاءَ تَلَبُّسِ
وَتكادُ تسْحَبُنا فَيَبْلَعُنَا الدُّجَى
والجُبُّ يَمْتلِئُ امْتِلاءَ تكَدُّسِ
قالتْ أراكَ تجُسُّ نَبْضَ قصيدتِي
وتجُوسُ أرضَ قَريحَتِي بتحَسُّسِ
وتدُوسُ أخْتامَ الهوى بِطَلاسِمٍ
وتدُسُّ أمْشاجَ الأسى في أكْؤُسِي
كيْمَا تُطِيلَ مَدى الكلامِ بِشُرْفَتِي
فتُطِلَّ مِنهَا غَافِياتُ الأنفُسِ
يا نَجْمِيَ السَّيَّارَ في فَلَكِ الهوى
لِمَ لا تسِيرُ إليَّ مِلْءَ تَنَفُّسِي
هل سَيَّرَتْكَ ريَاحُ ليْلٍ عَابِثٍ
شُهُبُ الحُروفِ بهِ رَمادُ تجَسُّسِ
سَيضل نهر الشَّوقِ إنْ لم تَحْترِسْ
ويَخِرُّ صَرْحُ العِشقِ إنْ لم تَحْرُسِ