دعاني صديقي الذي يعيش منعزلا في الأرياف , على مشارف المدينة الصّاخبة , قال لي : تعال جرّب حياتي المتوحّشة , واعتقد واهما أنّني أستمتع برغد المدنيّة العصريّة , وأنا المختنق بضجيج وفوضى , وجفاف المدينة . في عطلة نهاية الأسبوع جاءني بشاحنته ونقلني نقلا من عالم إلى عالم , وكمن خرج من غرفة مظلمة وجدت نفسي في مواجهة الفضاء الخصب , بكل عفويّتة ووحشيّته .
عندما اقتربنا من بيته انحرف في طريقه إلى فناء مستودع له كان قد ترك فيه كلبه لمدّة أسبوع وأوصى جاره أن يُقدّم له الأكل كل يوم , تركه لفترة مؤقّتة حتّى يُجهّز له مكانا جديدا . فتح باب فناء المستودع , هرع إليه الكلب يلثمه ويلحسه حتّى سقط على الأرض , واندهش صديقي من شكل كلبه , وكيف تحوّل , لقد هزل هزالا شديدا حتّى التصق عظمه بلحمه , قال له الجار أنّه لا يأكل , ووجد الأكل كما هو , لم يقترب منه الكلب الذي قتله الوجد والشّوق إلى صاحبه . أسبوع لم يشاهد فيه الكلب صاحبه مات فيه حنينا وعادته اليه روحه حين التقاه , وأنا الذي التقي فيه صدفة في الشارع مع أخي الذي يعيش في نفس المدينة , وكنا قد تربّينا وكبرنا معا , رأسه يلامس رأسي حين كنا ننام صغارا ونقضي الليل نتحدّث , نتقابل الآن في الطّريق ولا يُكلّم أحدنا الآخر .
دخلنا بيته الريفي الواسع , وذهب ليُطعم الأغنام والطيور , وجدنا الديك مجروحا , قال أنّه خرج من معركة شرسة مع البط كعادته حين يقترب أحد من الدّجاج . الديك غيور على عرضه , وبيوت وشوارع مدينتنا سكنها المجون والسفور , والعرض يباع ويشترى هناك , وبثمن زهيد أيضا .
عندما توجّهنا إلى القطط , وقدّم لها صديقي أكلها , لاحظت أنّ القط يترك القط الآخر يأكل حين يراه جائعا أكثر منه , أنا أبيت جائعا أحيانا , عندما تشتد بعض الأزمات , وأخي يسكن بالجوار , وأخواتي الكثيرات يعشن في نفس البلد .
حين صافحته قبل أن أعود إلى بيتي البارد الصّامت ومدينتي الموحشة الصّاخبة , همست له : كم هي حياتك متحضّرة يا صديقي .