نقشْتُ الشَّوْقَ في دوحات طيرٍ**وكنت أظنها للسرِّ بئْرَا
فلم ألبثْ سمعت لها هديلا** به فوق الغصون الخضر فجْرا
كأنَّ الطَّير تنقش مثل نقشي** وتحفر شوقها في الغصن نقْرَا
فلا تلك الطيور قرأْنَ سرَّا**ولا تلك الطيور أردْنَ شرَّا
ولكنْ حالها في الحبِّ حالي**فإنْ أنْشَدْتُ شطْرًا زدْنَ شطْرا
وذا العصفور مثلي فوق غصنٍ**يروحُ يجيءُ ليس يطيق صبْرَا
فينقرُ نقْرةً ويهزّ ذيلًا**ويسكن مرَّةً ويهيجُ عشْرَا
تراقبه الحبيبة وهْو يبْكي**وتنظر نحوه تيهًا وشذْرَا
فذي في الدلِّ تنأى عنه مكرَا**وذا في الذلِّ قد أسقَتْه مرَّا
وقد يزداد من ينأى بصدٍّ**لدى المحبوب حين الصدِّ قدرا
دنا منها فولَّتْ عنه حتى**إذا ما فاتها جاءته كرَّا
وما بين اقترابٍ وابتعادٍ**جرت أحوالهم في الحبِّ تتْرَى
فتنأى إن دنا منها وتدنو**إذا ولَّى تزفُّ إليه بشْرَى
فمدَّ جناحه في الجوِّ سعيا**ليبني من خيوط القشِّ قصْرَا
وما أن جاء بالقشَّات ولَّى**ليجمع من حقول الأرض بُرَّا
فيالهناءة العصفور لمَّا ارْتضتْ بالبُرِّ والقشَّاتِ مهْرا
ويغزلُ إذ يغازل عشَّ حبٍّ**يسطِّرُ قشَّه سطْرًا فسطْرَا
وما إن تمَّ حتى لاح منها**حبورٌ زاده تيهًا وفخْرَا
لقد هاجا عليَّ الوجد بينا**عيوني ترمق الإلفين بهْرَا
جدار العشِّ من قشٍّ ولَكِنْ**بدا للعين ألماسًا وتبْرَا