ويسألونك من ؟ قـلْ شاعرٌ قلقُ
مُسهّدٌ سامِراه النجمُ والأرقُ
حثا من الحبرِ فاخضلّت أناملُه
سال اليراعُ ولمّا يرتوي الورقُ
كلّ المعاني إذا ما مسّها ارتعشتْ
ترميه نظرةَ شـزرٍ ثم تفترقُ
ظمآنُ من حوله الأكوابُ مترعةٌ
وبين كفّـيه نبعٌ ليس ينبثق
بلا جناحين يطوي في الفضاء مدىً
من خلفِ شاردةٍ في الأفْـق تأتلقُ
أمام شاطئهِ المنداحِ هزّ عصًا
من الشعور .. إذا بالبحر ينفلقُ
وسارَ ، ظنّ به دربَ المنى فإذا
من حولهِ لُجّـةٌ والموج يصطفقُ
يدٌ من الفُـلكِ مُـدّتْ : فلتكُـنْ معنا
أبى و أمعـنَ حتى طاله الغرقُ
ما زال يقرأ والقرطاس مؤنسُـهُ
مذ كان يتلى عليه "النون" والعلقُ
في عمر شيخٍ يثيبُ الدهرَ حكمَتَهُ
وبين جنبيه طفلٌ فاكِـهٌ نَـزِقُ
وفي الجمال له عينان : عينُ هوىً
وعينُ سهدٍ إذِ الأرواحُ تفترقُ
يمشي على الصّلد .. كم أغرى الرخام خطىً
فيبطئ السعي ..يخشى أنه زلِـقُ
أفضى لعبقر شيئاً من هواجسهِ
يا معشر الجن .. ذاع السرُّ فاسترقوا!
تلك الشخوصُ الدّمى كمْ ظلّ يرسمُها
وحين ينفخُ فيها الشعرَ تستبقُ
دنا من الحسن ، كان الوصف شاغلهُ
وارتدّ حين رماه اللحظُ والحدقُ
لهُ صروح مجازٍ من خوالجهِ
وفي الحقيقة عنها تاهت الطرقُ
ذاك الخيال الذي ما زال مسكنهُ
مذ جاسَ واقعَه النكرانُ والملَقُ
يعجّ من حوله ختـْـلٌ وسفسطةٌ
دأْبـاً يعانقُه ما ليس يعتِنقُ
وشاقهُ من تهاوى في تقلّبهِ
إنّ الحقيقة لا يُلوى لها عنُقٌ
ويقتفي القول لا آثار قائلهِ
لأنه بسوى الأموات لا يثقُ !