البناء الوتدي في الشعر العمودي والتفعيلي والأديبة الشاعرة ثناء حاج صالح
جلب انتباهي موضوع طرحته الأديبة الشاعرة ثناء حاج صالح بقصيدة تفعيلية (حوار المنافي) وكنت أنتظر نشرها هنا لإبداء وجهة نظري, وهي قصيدة بنيت على (مفاعلن) واعتبرتها الشاعرة تفعيلية وتدية, وخطر ببالي حين اطلعت عليها بيت شعر ورد في مخطوطة "الجامع في العروض والقوافي" لأبي الحسن العروضي :
يذبُّ عن حريمهِ بنبلهِ * وسيفهِ ورمحهِ ويحتَمي
مفاعلن مفاعلن مفاعلن * مفاعلن مفاعلن مفاعلن
واعتبر شاهدا على زحاف الوقص في الكامل أي إضمار متفاعلن بتسكين الحرف المتحرك الثاني ثم خبنها بحذفه فتصبح التفعيلة مفاعلن:
متَفاعلن = متْفاعلن بالإضمار = مفاعلن بالخبن
وقال عنه المعري في " الفصول والغايات " ص 319 وكذلك في العقد 5/482 بأنه من وضع الفراهيدي ولم يرد هذا الزحاف في الشعر العربي في بحر الكامل.
بالطبع نعلم بأن الأوتاد لا تتجاور في أصل تفعيلات الشعر العربي كما لم يجز تجاورها في قواعد العروض في أصل البناء للبيت الشعري لكنها قد تظهر في بعض أوزان الشعر العربي جراء الزحافات.
لكن الوزن يحتمل عدة أوجه رغم ما أورده أبو الحسن العروضي عن الفراهيدي وليكن هذا هو الإحتمال الأول أي:
1 – متقاعلن متفاعلن متفاعلن * متفاعلن متفاعلن متفاعلن
وبالوقص:
مفاعلن مفاعلن مفاعلن * مفاعلن مفاعلن مفاعلن
2 – الإحتمال الثاني أن يكون أصله من الرجز:
مستفعلن مستفعلن مستفعلن * مستفعلن مستفعلن مستفعلن
وبالخبن:
متفعلن متفعلن متفعلن * متفعلن متفعلن متفعلن
3 – الهزج التام:
مفاعيلن مفاعلن مفاعلن * مفاعيلن مفاعيلن مفاعيلن
بالقبض:
مفاعلن مفاعلن مفاعلن * مفاعلن مفاعلن مفاعلن
4 – الوافر التام:
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن * مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
بالعقل أي بعصب مفاعلتن بتسكين خامسها المتحرك ثم حذفه
مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن * مفاعلتن مفاعلتن مفاعلتن
بالعقل:
مفاعلن مفاعلن مفاعلن * مفاعلن مفاعلن مفاعلن
ونلاحظ أن البيت الذي نظمه الفراهيدي ووضعه أبو الحسن العروضي كشاهد على الوقص في الكامل كما أشار الفراهيدي يحتمل أربعة أوجه ويمكن نسبه إلى أربعة أوزان من أربعة بحور وردت في دوائر العروض للفراهيدي وليس لبحر واحد.
وانسجاما مع ما أطرحه أن أصل التفعيلة السباعية هي (مفعولاتن) المرتبطة بالسلم الموسيقي يمكن أن أضع له احتمالا واحدا وهو:
مفعولاتن مفعولاتن مفعولاتن * مفعولاتن مفعولاتن مفعولاتن
وبحذف ساكنين الساكن الأول في كل مقطع (فعلن)
فعولتن فعولتن فعولتن * فعولتن فعولتن فعولتن
وبالطبع فعولتن تساوي مفاعلن أو متفعلن حيث تتكون من (//ه//ه)
ثانيا : يمكن وضعها أيضا من الخلية الثانية مفعولن وبحذف ساكنين من الأولى وساكن واحد من الثانية:
مفعولن مفعولن مفعولن مفعولن * مفعولن مفعولن مفعولن مفعولن
فعول فاعلن فعول فاعلن * فعول فاعلن فعول فاعلن وعند الرسم وفق ما طرحته لا يفرق المخطط عما ظهر في الإفتراض الأول لأن كل حرف متحرك يعقبه حرف متحرك وساكن, ويمكن اعتبار المقاطع أوتادا وأسبابا.
ثالثا: إذا افترضنا الخلايا السببية فعْلن فيكون أصل الإيقاع:
فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن * فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن فعْلن
وهذه الفرضية تعادل ثلاثة خلايا من مفعولاتن أو أربعة خلايا من مفعولن.
وبحذف الساكن الأول في كل منها ينتج:
فلن فلن فلن فلن فلن فلن * فلن فلن فلن فلن فلن فلن
وهذا وفق تسميات العروض ستة أوتاد في الشطر الواحد.
ويمكن رسم هذه الإفتراضات الثلاثة بمخططات متشابهة إذ أن أسلوب البناء واحد يعتمد على متحركين وساكن (//ه) لكل مقطع ثم يتكرر, بينما الإفتراضات الأربعة أعلاه تتطلب مخططا لكل منها اعتمادا على فرضية أصل التفعيلة من الكامل أو الرجز أو الهزج أو الوافر.
ومن المخططات نلاحظ في الإحتمالات الأربعة الأولى وفق التقطيع العروضي أن المخططات لا تختلف عن بعضها إلا في الخطوط الحمراء التي تمثل الزحافات المفترضة الطارئة على التفعيلات الأصلية.
أما المخططان الآخران اللذان اعتمدا على التقطيع وفق العلاقة بين السلم الموسيقي وسلم الشعر العربي فلا يظهر أي فرق إن اعتمدنا الأصل من مفعولاتن بثلاثة خلايا في الشطر أو مفعولن بأربعة خلايا في الشطر. أو الفرضية الخببية بستة مقاطع سببية والتي لا تختلف عنهما.
كما يظهر اللون الأحمر كدائرة خارجية تمثل إيقاع السلم الموسيقي باعتماد المقاطع السببية وتكررها وفق الإفتراضات الثلاثة التي بينتها.
وأحيي الأديبة والشاعرة ثناء على ما طرحته من فكرة عن البناء الوتدي في التفعيلي والذي يمكن أيضا اعتماده في الشعر العمودي كما هو بيت الفراهيدي أعلاه.
واعتمادها (مفاعلن) كخلية شعرية في التفعيلي إضافة جديدة للشعر التفعيلي كما فعلت الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة من إضافة (مستفعلاتن) للشعر الحر وأسمته (الموفور) ونظمت عليه تفعيليا لكن كان قد سبقها الشاعر الكبيرالرصافي بالنظم عليه عموديا كما أوضحت سابقا في مقال لي قبل فترة.
ولا أريد أن أتدخل في الحوارات الجارية حول الموضوع لأنني لست طرفا فيها , لكن أحببت أن أعبر عن وجهة نظري والتي تدعم رؤيتي عن بناء الشعر العربي والذي يمكن أن يكون على أسباب أو على أوتاد لأن أصل تفعيلات الشعر العربي كما أوضحت سببية ولا أوتاد فيها فكلها تعود إلى فعْلن , مفعولن , مفعولاتن ويمكن التحرر من أي قيود أخرى كما أثبتته الأديبة ثناء ببناء قصيدة تفعيلية وفق ما أطلقت عليه تسمية (الوتدية) والتي يمكن أن أسميها أيضا سببية اعتمدت على أسباب سليمة وأسباب مزاحفة وفق منهجية هندسية التزمت بها رغم ما أثير عن القفلات وأصل مفاعلن أو متفعلن, ومازال الحوار مستمرا, وتبقى النتيجة واحدة رغم اختلاف التسميات.
وأعرف أن رأيي هذا قد يلاقي اعتراضات كثييرة لكنه ينسجم مع ما طرحته وكما يبينه المخططان الأخيران من إيقاع الوزن باعتماد بيت عمودي للفراهيدي نفسه.
وأضيف أن أسلوب الشعر (الوتدي) ورد ضمن الأوزان والبحور الأخرى كما في:
الوافر المقطوف :
منازلُ لفرِتنا قفارُ * كأنما رسومها سطورُ
مفاعلن مفاعلن فعولن * مفاعلن مفاعلن فعولن
وهنا نرى توالي خمسة أوتاد (أصيلة وغير أصيلة) تنتهي بسبب.
الطويل المقبوض:
سماحةُ ذا وبرُّ ذا ووفاءُ ذا * ونائلُ ذا إذا صحا وإذا سَكرْ (امرؤ القيس)
فعول مفاعلن فعول مفاعلن * فعول مفاعلن فعول مفاعلن
مجزوء الهزج
مناقبٌ ذكرتُها * لطلحةَ الشَّريفِ
مفاعلن مفاعلن * مفاعلن فعولن
الرجز المخبون:
منازلٌ ألفتُها وطالما * عَمرتهُا مع الحسانِ في دعَهْ
مفاعلن مفاعلن مفاعلن * مفاعلن مفاعلن مفاعلن
الرجز المطوي:
ما وَلَدتْ والدَةٌ من ولَدٍ * أكرمَ من عبدِ مَنافَ حسَبا
مفتعلن مفتعلن مفتعلن * مفتعلن مفتعلن مفتعلن
وهنا يمكن القول أن البناء اعتمد وتدا مفروقا يليه وتد مجموع
الكامل المخزول:
منزلةٌ ضمَّ صداها وعَفت * أرسمُها إنْ سئلَت لم تُجبِ (الفراهيدي)
مفتعلن مفتعلن مفتعلن * مفتعلن مفتعلن مفتعلن
وهنا أيضا نلاحظ توالي الأوتاد (مفروقة ومجموعة )
ورغم مجيئه كشاهد في الكامل لكن يمكن نسبه أيضا للرجز المطوي.
علما بأن معظم الشواهد التي وردت على زحافات بعض الأوزان أو البحور قد يكون الفراهيدي من وضعها لغرض اعتماد زحافات كان يراها ملائمة للوزن.
والقصد من هذا الطرح أننا إن اعتمدنا أن مفاعلن أو متفعلن مقاطع وتدية فهذا ينطبق أيضا على مفتعلن بجعلها وتدا مفروقا ووتدا مجموعا ( /ه/ //ه)
وكل ما ورد أعلاه هي أبيات لكن هذا لا يمنع أن تكون القصيدة بأكملها مبنية على نفس الوزن.
والخلاصة أن ما طرحته الأديبة ثناء يستحق التوقف عنده ودراسته من كافة النواحي وما دامت تبنت البناء الوتدي للشعر التفعيلي وهو أيضا يصلح للشعر العمودي كما ورد من شواهد ويمكن أيضا ألا يقتصر البناء على الأوتاد المجموعة بل حتى المفروقة, وبالطبع هذا الأسلوب في البناء العمودي أو التفعيلي يضيف قيودا جديدة على الشاعر وليس كل شاعر يمكن أن يلتزم بها كما فعلت الشاعرة ثناء في قصيدتها التفعيلية.
وكما تبين أن التفعيلات التالية يمكن ترجمتها وتديا:
متفاعلن : مفاعلن (وتدان مجموعان)
مفاعيلن : مفاعلن (وتدان مجموعان)
مستفعلن : متفعلن (وتدان مجموعان)
مفاعلتن : مفاعلن (وتدان مجموعان)
يمكن أيضا ترجمة التفعيلات التالية وتديا
فاعلاتن : فاعلات (وتدان مفروقان)
مفاعيلن : مفاعيل (وتد مجموع ووتد مفروق) بالكف
مستفعلن : مفتعلن (وتد مفرق + وتد مجموع)
مفعولات : مفعلات (وتدان مفروقان)
مفعولات : فعولات (وتد مجموع + وتد مفروق)
ويفتح هذا الموضوع آفاقا جديد في العمودي والتفعيلي بالطبع ليس فيما اعتمدته الشاعرة ثناء (مفاعلن أو متفعلن) لكن لو افترضنا أن البناء اعتمد على مستفعلن بزحافيها أي أن تأتي القصيدة كلها على (متفعلن , مفتعلن) فأصلهما مستفعلن لكن القصيدة اعتمدت البناء الوتدي.
وهنا نلاحظ ظهور وتد مفروق في مفتعلن ووفق ما طرحته الشاعرة ثناء عن (البناء الوتدي) سيكون هذا مزاوجة بين الوتد المفروق والوتد المجموع.
وبالطبع لو أردنا رسم الوزن الوتدي كاملا بقيم الأوتاد لأنتج دائرة تشابه ما رسمته عن الخبب الساكن (فعْلن) وهذا بحد ذاته يشكل طفرة كبيرة في أسلوب بناء الشعر العربي كما يوضحه مخططا الأسباب والأوتاد.
وأرفق كافة المخططات التوضيحية للبناء الوتدي للشعر العمودي وهو لا يختلف عن البناء التفعيلي إلا بعدد المقاطع واعتماد قفلات في الشعر التفعيلي قد تكون أوتادا فقط أو أوتادا مذيلة كما ظهر في قصيدتها التفعيلية.
تحياتي وتقديري
وللإطلاع على المخططات يمكن فتح الرابط التالي:
https://web.facebook.com/groups/rabi...2/?_rdc=1&_rdr