الحكاية الأولى
قال الأستاذ بصوته الرخيم العذب النبرات :
- سنتحدث الليلة عن صفة من صفات بنى البشر وهى الطمع
سرت همهمات ووقفت نملة قائلة :
- مامعنى الطمع يا أستاذى ؟؟
أجاب الأستاذ :
- الطمع هو أن تحدث نفسك بأن تأخذ ما عند غيرك بدون حق
علت الدهشة على الوجوه وقالت نملة بإستغراب :
- وهل يأخذ بنو البشر حق بعضهم بعضًا 0!؟
- نعم لاتتعجًلى , سأوضح كيف ذالك 0؟
قلبت شفتيها السفلى فى تأفف وإزدراء وقالت :
- ما أتعس بنى البشر
- ما أتعس بنى البشر
أشار الأستاذ بيديه فصمت الجميع وبصوته الرخيم العذب النبرات :
" فى مخطوطاتنا القديمة قصًة عميقة الدلالة
يحكى أنه منذ زمن غابر وفى الشرق , مملكتان متجاورتان يسود بينهما الود والوئام
كانتا تطلآن على شاطىء البحر حيث صيد السمك وبيعة للممالك المجاورة فيكسبان
مكسبًا كبيرًا,عاشت المملكتان فى بحبوحة من رغد العيش , يتبادلان السلع
وإزدهرت بينهما أواصر الود والمحبة فإندمجا كشعب واحد , تزوجا , وتصاهرا ,
فحل بين المملكتين أواصر قربة ومودة ورحم 0
لكن الحال لم يدم طويلاً فقد عاد الصيادون فى إحدى هاتين المملكتين خاليى الوفاض
سرعات ماتعددت أوبتهم فارغين , فشح حال المملكة وساد الفقر , بيد أن المملكة
الأخرى وقفت بجانبهم وساعدتهم وساندتهم فكان الصيادين يقسمون أرزاقهم معًا بنفس
راضية , وسكينة بال ومع كرور الأيام فترت همة رجال المملكة الفقيرة وإستكانوا
وإستسهلوا وصول الرزق اليهم فتحولوا إلى شعب من الكسالى والتنابلة حتى أصبح
رزقهم يأتيهم سخرة أو عطفا أو بسيف الحياء أو قولوا ماشئتم 0
بيد أن ملك المملكة الفقيرة أضمر فى نفسه أمرًا خطيرًا , فتحت جنح الظلام البهيم
خرج بجيشه وباغت إخوانه وأهله فى المملكة الأخرى وأخذها على حين غرًة ,
فذبح رجالها , وسبى نساءها , وروًع صبيانها , وقتل الملك داخل المسلًة المقدًسة
غير آبه بنصيحة المخلصين بعدم سفك الدماء داخلها وأخبره أحدهم بأن غضب
البحر كبير ولن يستطيع تحمًله فقهقه ساخرًا مستهزئًا , وإستكمل طمعه فإستولى
على جميع أنحاء المملكة وضمًها لبلآده ونقل خزائنها ومجوهراتها ورياشها الثمين
وعاد بهم سعيدا مسرورا , منتفخ الأوداج , مخضًب بالدم 0
وبعد أيام خرج الصيادون للصيد ولكن ما إن إستقر القارب فى عرض البحر حتى
ثار وهاج وإضطرمت أمواجه فعلت وتلاطمت فى عنف حتى إن القارب يرتفع
إرتفاعًا شاهقًا ثم مايلبث أن ينقلب متحطمًا بمن فيه 0
تعددت حوادث البحر , ظنوا أنها نوًة , ولكن الوقت صيفا , والسماء صافية , والسحاب
قليل , ونسمات الهواء وديعة , رقيقة , حالمة , سطح البحر هادىء أزرق اللون 0
إمتنع الصيادون عن الصيد فعاد الشح والفقر يضرب البلاد من جديد , إضطربت
أحوال العباد , كثرت السرقات , إنتشرت الفتن , ذاد الظلم , جأر الناس بالشكوى
والغوث ولا مغيث 0
وفى صبيحة يوم إستيقظ الشعب فلم يجد الملك , بحثوا عنه فى كل مكان , إقتحموا
قصوره , بحثوا عنه فى ضيعه حتى توكد لديهم أنه خرج ليلا بأهله حاملاً متاع
المملكة من نفيسها وثمينها وفرً هاربًا وترك شعبه يتلظى بنار طمعه وشدًة جشعه 0
صاحت نملة بصوتها الجهورى من آخر الصفوف
ماأتعس بنى البشر
ما أتعس بنى البشر
ابراهيم عبد المعطى
الأسكندرية