ديوان الإِمام الشافعيّ رضيَ اللّه عَنْهُ
قافية الميم
قافية الميم
بيني وبين اللّه.
أَجُودُ بِمَوْجُودٍ وَلَوْ بِتُّ طَاوِيَاً
عَلَى الجُوعِ كَشْحَاً وَالْحَشَا يَتَأَلَّمُ
وَأُظْهِرُ أَسْبَابَ الغِنَى بَيْنَ رِفْقَتِي
لِيَخْفَاهُمُ حَالِي وَإِنِّي لَمُعْدَمُ
وَبَيْنِي وَبَيْنَ اللّهِ أَشْكُو فَاقَتِي
حَقِيْقَاً فَإِنَّ اللّهَ بِالحَالِ أَعْلَمُ
الله يعلم ما تسر
حَسِّنْ ثِيَابَكَ مَا اسْتَطَعْتَ فَإِنَّهَا
زين الرِّجالِ بِهِ تعز وتكرمُ
وَدَعِ التَّخَشُّنَ فِي الثِّيَابِ تَوَاضُعَاً
فَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ وَتَكْتُمُ
فَجدِيدُ ثَوْبِكَ لاَ يَضُرُّكَ بَعْدَمَا
تَخْشَى الإِلهَ وَتَتَّقِي مَا يحرَمُ
وَرَثيتُ ثَوْبِكَ لاَ يَزِيدُكَ رِفْعَةٌ
عِنْدَ الإِلهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مجْرِمُ
صاحب العلم كريم
رَأَيْتُ العِلْمَ صَاحِبُهُ كَرِيمٌ
وَلَوْ وَلَدَتْهُ آبِاءٌ لِئَامُ
وَلَيْسَ يَزَالُ يَرفَعُهُ إِلَى أَن
يُعَظِّم أَمْرَهُ القَوْمُ الكِرَامُ
وَيَتَّبِعونَهُ فِي كُلِّ حَالٍ
كَرَاعِي الضَّأْنِ تَتْبَعُهُ السَّوَامُ
فَلَوْلا العِلْمُ مَا سَعِدَتْ رِجَالٌ
وَلاَ عُرِفَ الحَلاَلُ وَلاَ الحَرَامُ
الشاهدة
قَضَيْتُ نَحْبِي فَسُرَّ قَوْمٌ
حَمْقَى بِهِمْ غَفْلَةٌ وَنَوْمُ
كَأَنَّ يَوْمِي عَلَيَّ حَتْمٌ
وَلَيْسَ لِلشَّامِتِينَ يَوْمُ
الجهل يزري بأهله
مَعَ العِلْمِ فَاسْلُكْ حَيْثُمَا سَلَكَ العِلْمُ
وَعَنْهُ فَسَائِلْ كُلَّ مَنْ عِنْدَهُ فهْمُ
فَفِيهِ جَلاَءٌ للقلوب مِنَ العَمَى
وَعَوْن عَلَى الدِّين الَّذِي أَمْرُهُ حَتْمُ
فَإِنِّي رَأَيْتُ الجَهْلَ يَزْرِي بِأَهْلِهِ
وَذُو العِلْمِ فِي الأَقْوَام يَرفَعُهُ العِلْمُ
فَأَيُّ رَجَاءٍ فِي امْرِىءٍ شَابَ رَأْسُهُ
وَأَفْنَى شَبَابَاً وَهُوَ مُسْتَعْجِمٌ فَدِمُ
وَهَلْ أَبْصَرتْ عَيْنَاكَ أَقْبَحَ مَنْظَرَاً
مِنَ الشَّيْبِ لاَ عِلْمٌ لَدَيْهِ وَلا حلمُ
وَخَالط رُوَاةَ العِلْمِ وَاصْحَبْ خِيَارَهُمْ
فَصُحْبَتُهُمْ نَفْعٌ وَخَلْطَتُهُمْ غُنُمُ
وَلاَ تعدون عَيْنَاكَ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمُ
نُجُومُ هُدَى مَا مِثْلُهُمْ فِي الوَرَى نجمُ
فَوَاللّه لَوْلاَ العِلْمُ مَا فَصَحَ الهُدَى
وَلاَ لاَحَ مِنْ غَيْبِ السَّمَاءِ لَنَا رَسْمُ
أكتم ودي
وَمَا زَالَ كتْمَانيكَ حَتَّى كَأَنَّنِي
بِرَدِّ جوابِ السَّائِلِينَ لأَعْجَمُ
وَأكْتمُ وُدِّي فِي صَفَاءِ مَوَدَّتَي
لِتَسْلَمَ مِنْ قَوْلِ الوِشَاةِ وَأَسْلَمُ
أصحاب الشافعي
أَجَاعَتْهُمُ الدُّنْيَا فَخَافُوُا وَلَمْ يَزَلْ
كَذَلِكَ ذُو التَّقْوَى عَنِ الْعَيْشِ مُلْجَمَا
وَفِي ابنِ سَعِيد قَدْوَةَ البِرِّ والنُّهَى
وَفِي الوَارِثِ الفَارُوقِ صِدْقَاً مُقَدَّمَا
أَخُو طَيء دَاوُدُ مِنْهُمْ وَمِسْعَرُ
وَمِنْهُمْ وُهَيْبٌ وَالعريبُ ابنُ أَدهَمَا
وَحَسْبُكَ مِنْهُمْ بِالفَضَيْلِ مَعَ ابنِهِ
وَيُوسُفَ إِنْ لَم يَأْلُ أَنْ يَتَسَلَّمَا
أَولَئِكَ أَصْحَابِي وأَهْلُ مَوَدَّتِي
فَصَلَّى عَليْهِم ذُو الْجَلاَلِ وَسَلَّمَا
فَمَا ضَرَّ ذَا التَّقْوى نِصَالُ أَسِنَّةٍ
وَمَا زَالَ ذُو التَّقْوَى أَعَزَّ وَأَكْرَمَا
وَمَا زَالَتِ التَّقوْى تُرِيكَ عَلَى الْفَتَى
إِذَا مَحَّضَ التَّقوَى مِنَ العِزِّ مَيْسَمَا
الانقباض
يَقُولُونَ لِي: فِيكَ انْقِبَاضٌ، وَإِنَّمَا
رَأَوْا رَجُلاً عَنْ مَوقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا
أَرَى النَّاسَ، مَنْ دَانَاهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ
وَمَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفُسِ أَكْرَمَا
وَلَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا
بَدَا طَمَعٌ صَيَّرَتْهُ لِي سلمَا
إِذَا قِيلَ: هذَا مُوْرِدٌ، قُلْتُ: قَدْ أَرَى
وَلكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا
وَلَمْ أَبْتَذِلْ فِي خِدْمَة العِلْمِ مُهْجَتِي
لأَخْدمَ مَنْ لاقَيْتُ، لكِنْ لأُخْدَمَا
أَأَغْرُسُهُ عِزّاً وأَجْنِيهِ ذِلَّةٌ
إِذَنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَحْزَمَا
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُم
وَلَوْ عَظَّمُوهُ فِي النُّفُوسِ لَعظمَا
وَلكِنْ أَهَانُوهُ فَهَانُوا، وَدَنَّسُوا
مُحَيَّاهُ بِالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا
وَإِنِّي لَرَاضٍ عَنْ فَتَىً مُتَعَفِّف
يَرُوحُ وَيَغْدُو لَيْسَ يَمْلِكُ دِرْهَمَا
يَبيتُ يُرَاعِي النَّجْمَ مِنْ سُوءِ حَالِهِ
وَيُصْبِحُ طَلْقَاً ضَاحِكَاً مُتَبَسِّمَا
وَلاَ يَسْأَلُ المُثْرِينَ مَا بَأَكُفِّهِمْ
وَلَوْ مَاتَ جُوعَاً غُصَّةً وَتَكَرُّمَا
وَإِنِّي إِذَا مَا فَاتَنِي الأمْرُ لَمْ أَبِتْ
أُقَلِّبُ كَفِّي إِثرهُ مُتَنَدِّمَا
وَلكِنْ إِذَا مَا جَاءَ عَفْوَاً قَبِلْتُهُ
وَإِنْ فَاتَ لَمْ أتبعه هَلا وَليتمَا
الليل و النهار
اللَّيْلُ شيب والنَّهَارُ كِلاَهُمَا
رَأْسِي لِكَثْرَةِ مَا تَدُورُ رَحَاهُمَا
يَتَنَاهَبَانِ لُحُومَنَا وَدِمَاءَنَا
نَهْبَاً عَلاَنِيَةً وَنْحْنُ نَرَاهُمَا
الأسماء الحسنى
بَمَوْقِف ذُلِّي دُونَ عِزَّتِكَ العُظْمَى
بِمخفيِّ سِرٍّ لاَ أَحِيطُ بِهِ عِلْمَا
بِإِطْرَاقِ رَأْسِي، بِاعْتَرَافِي بِذِلَّتي
بِمَدِّ يَدِي، أَسْتَمْطِرُ الجُودَ والرُّحْمى
بِأَسْمَائِكَ الحُسْنَى الَّتِي بَعْضُ وَصْفِهَا
لِعِزَّتِهَا يَسْتَغْرِقُ النَّثْرَ والنَّظْمَا
بِعَهْدٍ قَدِيمٍ مِنْ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ}
بِمَنْ كَانَ مَكْنُونَاً فَعُرِّفَ بِالأَسْمَا
أَذِقْنَا شَرَابَ الأُنْسِ يَا مَنْ إِذَا سَقَى
مُحِبّاً شَرَابَاً لاَ يُضَامُ وَلاَ يَظْمَا
عسى من له الإحسان يغفر لي
خف اللّه وَارْجُهُ لِكُلِّ عَظِيمَةٍ
وَلاَ تُطِعِ النَّفْسَ اللَّجُوجَ فَتَنْدَمَا
وَكُنْ بَيْنَ هَاتَيْنِ مِنَ الخَوْفِ وَالرَّجَا
وَأَبْشِرْ بِعَفْوِ اللّه، إِنْ كُنْتَ مُسْلِمَا
وَلَمَا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَتْ مَذَاهِبِي
جَعَلْتُ الرَّجَا مِنِّي لِعَفْوِكَ سُلَّمَا
إِلَيْكَ - إِلهَ الخَلْقِ - أَرْفَعُ رَغْبَتِي
وَإِنْ كُنْتُ - يا ذَا الْمَنِّ وَالْجُودِ - مُجْرِمَا
تَعَاظَمَني ذَنْبِي فَلَمَّا قَرَنْتُهُ
بِعَفْوِكَ رَبي كَانَ عَفْوُكَ أَعْظَمَا
فَمَا زِلْتَ ذَا عَفْوٍ عَنِ الذَّنْبِ لَمْ تَزَلْ
تَجُودُ وَتَعْفُو مِنَّةً وَتَكَرُّمَا
فَإِنْ تَعْفُ عَنِّي، تَعْفُ عَنْ مُتَمَرِّدٍ
ظَلُومٌ غَشُومٌ حِينَ يَلْقَاكَ مُسْلِمَا
وَإِنْ تَنْتقِمْ مِنِّي، فَلَسْتُ بِآيِسٍ
وَلَوْ أَدْخَلْتُ نَفْسِي بِجُرْمِي جَهَنَّمَا
فَجُرْمِي عَظِيمٌ، مِن قَدِيمٍ وَحَادِثٍ
وَعَفْوُكَ - يَا ذَا العَفو - أَعَلَى وَأَجْسَمَا
فَلَوْلاَكَ لَمْ يَصْمُدْ لإِبْلَيسَ عَابِدٌ
فَكَيْفَ وَقَدُ أَغْوَى صَفِيَّكَ آَدَمَا
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَصِيرُ لِجَنَّةٍ
أَهْنَا وَإِمّا لِلسَّعِيرِ فَأَنْدَمَا
فَللّهِ دَرُّ العَارِفِ النَّدْبِ إِنَّهُ
تَفِيضُ لِفَرْطِ الوَجْدِ أَجْفَانُهُ دَمَا
يُقِيمُ إِ ذَا مَا اللَّيْلُ مَدَّ ظَلاَمَهُ
عَلَى نَفْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ مَأَتَمَا
فَصِيحَاً إِذَا مَا كَانَ فِي ذِكْرِ رَبِّهِ
وَفِي مَا سِوَاهُ فِي الوَرَى كَانَ أَعْجَمَا
وَيَذْكُرُ أَيَامَاً مَضَتْ مِنْ شَبَابِهِ
وَمَا كَانَ فِيهَا بِالْجَهَالَةِ أَجرَمَا
فَصَارَ قَرِينَ الْهَمِّ طُولَ نَهَارِهِ
أَخَا السُّهْدِ وَالنَّجْوَى إِذَا اللَّيْلُ أَظْلَمَا
يَقُولُ حَبِيبِي أَنْتَ سُؤْلِي وَبُغْيَتِي
كَفَى بِكَ ِللرَّاجِينَ سُؤْلاً وَمَغْنَمَا
أَلَسْتَ الَّذِي عَذَّبْتَنِي وَهَدَيْتَنِي
وَلاَ زِلْتَ مِنَّانَاً عَلَيَّ وَمُنْعِمَا
عَسَى مَنْ لَهُ الإِحْسَانُ يَغْفِرُ زِلَّتِي
وَيَسْتُرُ أَوْزَارِي وَمَا قَدْ تَقَدَّمَا
فضل العلم
العِلْمُ مِنْ فَضْلِهِ لِمَنْ خَدَمَهْ
أَنْ يَجْعَلَ النَّاسَ كُلَّهُمْ خَدَمَهْ
فَوَاجِبٌ صَوْنُهُ عَلَيْهِ كَمَا
يَصُونُ فِي النَّاسِ عَرْضَهُ وَدَمَهُ
فَمَنْ حَوَى العِلْمَ ثُمَّ أَوْدَعَهُ
بِجَهْلِهِ غَيرَ أَهْلِهِ ظَلَمَهْ
وَكَانَ كَالْمُبْتَنِي البِنَاءَ إِذَا
تَمَّ لَهُ مَا أَرَادَهُ هَدَمَهْ
ثلاث مهلكات
ثَلاَثٌ هُنَّ مُهْلِكَة الأَنَامِ
وَدَاعِيَةُ الصَّحِيحِ إِلَى السَّقَامِ
دَوَامُ مُدَامَةٍ وَدَوَامُ وطءٍ
وَإِدْخَالُ الطَّعَامِ عَلَى الطَّعَامِ
الزنا دين
عِفُّوا تَعِفُّ نَسَاؤُكُمْ فِي المَحْرَمِ
وَتَجَنَّبُوا مَا لاَ يَلِيقُ بِمُسْلِمِ
إِنَّ الزِّنَا دَيْنٌ فَإِنْ أَقْرَضْتَهُ
كَانَ الوَفَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فَاعْلَمِ
يَا هَاتِكَاً حُرَمَ الرِّجَالِ وَقَاطِعاً
سُبُلَ المَوَدَّةِ عِشْتَ غَيْرَ مُكَرَّمِ
لَوْ كُنْتَ حُراً مِنْ سَلاَلَةِ مَاجِدٍ
مَا كُنْتُ هَتَّاكاً لِحُرْمَةِ مُسْلِمِ
مَنْ يَزْنِ يُزْنَ بِهِ وَلَوْ بِجِدَارِهِ
إِنْ كُنْتَ يَا هَذَا لَبِيبَاً فَافْهَمِ
قد بلوتك
وَلَقَدْ بَلَوْتُكَ وَابْتَلَيْتَ خَلِيفَتي
وَلَقَدْ كَفَاكَ مُعَلِّمي تَعْلِيمي
العلم في غير أهله
أَأَنْثُرُ دُراً بَيْنَ سَارِحَةِ البَهَمْ
وَأَنظُمُ مَنْثَورَاً لِرَاعِيَةِ الغَنَمْ
لَعَمْرِي لَئِنْ ضُيِّعْتُ في شَرِّ بَلْدَةٍ
فَلَسْتُ مُضِيعاً فِيهمُ غُرَر الكَلِمْ
سَأَكْتُمُ عِلْمِي عَنْ ذَوِي الجهْلِ طَاقَتِي
وَلاَ أَنْثُرُ الدُّرَّ النَّفِيسَ عَلَى الغَنَمْ
لأَنَّهُمُو أَمْسَوا بِجَهْلٍ لِقَدْرِهِ
فَلاَ أَنَا أَضْحَى أَنْ أطوقه البَهَمْ
لَئِنْ سَهَّلَ اللَّهُ العَزِيزُ بِلُطْفِهِ
وَصَادَفْتُ أَهْلاً لِلْعُلُومِ ولِلْحِكَمْ
بَقَيْتُ مُفِيدَاً واسْتَفَدْتُ وِدَادَهُمْ
وَإِلاَّ فَمَكْنُونٌ لَدَيَّ وَمُكْتَتَمْ
وَمَنْ مَنَحَ الجُهَّالَ عِلْمَاً أَضَاعَهُ
وَمَنْ مَنَعَ الْمسْتَوْجِبِينَ فَقَدْ ظَلَمْ
وَكَاتِمُ عِلْمِ الدِّينِ عَمَّنْ يُرِيدُهُ
يَبُوءُ بِإِثْمٍ زَادَ وَإِثْمٍ إِذَا كَتَمْ
--------------------
--------------------