10
البحث عن طريق
3- رقم 9
في عدة امتحانات تالية ، تدربت جيدا على الخروج من مأزق الخلل في عدد الدرجات ، وعوّدت نفسي ألا أكتب أحد عشر سؤالا في امتحان عدد أسئلته ودرجاته عشرة ! ! وفررت بخوف أقرب إلى الفزع من الأسئلة التي لا يمكن بها قياس التطور الحقيقي في اللغة مثل :
* تكلم عن . .
* اكتب ما فهمت من . . .
* ماذا تعرف عن . . .
* اكتب شروط تقديم الخبر على المبتدأ . . .
* ما رأيك في . .
فكم درجة يمكنك أن تعطي على إجابة مثل هذا السؤال ؟ وما أهميته في تعليم اللغة ؟ وأي الإجابات ستعتبرها صحيحة وأيها خاطئة ؟ ما هي الحدود الفاصلة بين الإلمام بالموضوع والتعبير بلغة صحيحة عما تعرفه من الموضوع ؟ لقد كانت الأسئلة من هذا النوع شبحاً بالنسبة لي وكانت مخاوفي منها مساوية تماما لمخاوفي من نوع آخر من الأسئلة يسوي بين وحدات اللغة ، ويسطح شعور الطالب بدلالالتها، وبالمواضع المختلفة المتمايزة في اختيارات الكلمات المناسبة لتوضع فيها، وهي ذلك النوع الذي ينتشر بكثرة ملحوظة في كتب التعليم الرسمي فلذلك ربما تراها مألوفة جداً وعادية عندما تقرأها :
* ضع سوى بدلا من إلا وغيِّر ما يلزم .
* اكتب مرادف الكلمات الآتية.
* استعمل أداة نداء أخرى في الجمل الآتية .
* اجعل الجملة للمفردة المؤنثة المخاطبة ثم للمثنى ثم للجمع ثم لجمح المخاطبات !!
وأتمنى ألا أعرض طلابي أبداً لهذين النوعين من الأسئلة ، مهما كانت الخسائر الناتجة عن فقده ؛ لأن ما أراه من مخاطر فقد دقة القياس وفقد المدركات اللغوية الحية ، وفقد التمييز الدقيق بين استعمالات الكلمات والتراكيب ، وفقد الشعور بالمعنى . . هذه المخاطر أكبر كيرا من فوائد هذين النوعين من الأسئلة . فبحثت في مخازن الذاكرة عن أسئلة أخرى تقيس أشياء يمكن إدراكها بالحواس فأصبحت أسئلة الامتحانات من قبيل :
* صحح الخطأ : (ويتضمن أخطاء في المعنى وأخطاء في التراكيب ورسم الكلمات وعلامات الترقيم ) وتحسب درجة لكل خطأ وتقسم على قسمين ؛ أحدهما لمعرفة الخطأ ، والآخر لمعرفة صوابه ، وجميع الأخطاء مستمدة من أخطاء الطلاب .
* اختر الجواب الصحيح .
* اختر الكلمة المناسبة مما بين الأقواس .
* اكتب سؤالا مناسبا لهذا الجواب .
* اكتب الجواب الصحيح .
وأسئلة أخرى كثيرة يمكن الحصول على نماذجها من مخازن التدريبات في مدرستنا . وكان برنامج تدريس اللغة يتحرك مع الامتحان ، ويدوران في فلك واحد: ينبغي أن يلمس الأولاد اللغة (دلالاتها وتراكيبها)، وأن يفهموها بدقة . وتركت أحياناً مساحة خطأ واحد للطالب استوحيتها من السؤال الحادي عشر، وهي في تلك المرة كانت مخرجاً ، بدأت بعد ذلك أتعمد إضافة سؤال واحد زائد عن عدد الدرجات 0 فيحصل الطالب الممتاز جدا على 11 من 10ويحصل آخرون على 6أو 8 بخطأ واحد مغفور! ولم يكن الأمر يخلو من متعة لي ولهم 0 في ترقب لمعرفة من الطالب الذي سيتكرر حصوله على الدرجة الزائدة التي أصبحت - لطلاب في عمر الجامعة أو نهاية الثانوية - كالنجوم والصور التي نلصقها لطلاب الابتدائية . ثم بدأت أقيس تطوري أنا ، وأدرج اسمي ني نهاية قائمة الأسماء ، وأطلب منهم أن يكتبوا درجتي ، وهي المتوسط الحسابي لدرجاتهم جميعاً 0 ومع الوقت . . أعطاني الطلاب اسما خاصا وهو (رقم 9) لأن رقمي في كشف الأسماء كان رقم (9) ، وعندما تندروا به أمامي لأول مرة (كمحاولة متوجسة نصف حذرة لمعرفة طبيعة رد فعلي ) فوجئوا باشتراكي معهم في المزحة ، ولذلك تشجعوا على إخباري بأن : رقم (9 ) لن يكون أبدا متفوقا أو من الأوائل ، طالما ستبقى درجته متوسطا حسابيا للأبد ، وأن الأمر في يدهم وكل مستقبله الوظيفي متوقف على اجتهادهم أو على الدرجات التي " يرغبون " في الحصول عليها ! ! ومع ذلك ، فقد كان الطلاب الثمانية يتنافسون دائماً ليرفعوا درجة (رقم 9) وكان (رقم 9) . . لما يزل باحثا عن طريق ! وعلى هذا الطريق انتهت محاولات الوصول إلى تقويم مفيد وحقيقي وذي قدرة على القياس الدقيق إلى المحطة التالية أوصافها :
1_ وجود امتحان مستوى شبه ثابت (بمعنى أنه ثابت النمط غير ثابت الأسئلة بعد) .
2_ تثبيت نظام الامتحانات الدورية في نهاية كل دورة ، ثم تعديله _بعد التجربة _إلى مرتين في الدورة (مرة كل شهر) ، ثم أخيرا وهو المطبق حتى الآن : مرة كل أسبوعين .
3_ إعلان نتائج كل فصل على لوحة الإعلانات التي اشتريناها خصيصا لهذا الغرض ، وتتضمن قائمة الأسماء اسم المعلمة أو المعلم ودرجته .
4_ أصبحت لدينا مجموعة ثابتة من أنماط جديدة لأسئلة اللغة العربية وتدريباتها بدأنا تعميمها على جميع الفصول ومن أهمها : * صحح الخطأ (جمل متفرقة أو نص كامل أو واجبات قديمة ، وفي كل من هذه التنويعات يمكن أن يوضع خط تحت الخطأ للطلاب المبتدئين أو لا يوضع في المستويات الأعلى ، ولتدرج الصعوبة يمكن تدريج مستوى الأخطاء ويمكن إخبار الطلاب بعدد الأخطاء في السؤال ، ويمكن أن تتضمن ورقة الامتحان الصورة الصحيحة للخطأ جزءاً من أسئلة أخرى بحيث يساعد هذا الطالب المبتدئ عن طريق الإيحاء أو التذكير غير المباشر، مع مراعاة عدم الإكثار منه ) . (ويفيد هذا السؤال في تنمية دقة الملاحظة والفهم اللغويين ) .
* اشرح بجملة : (يهدف إلى تدريب الطالب على التعبير عن نفسه عندما تخونه الذاكرة في الكلمات المعينة للمعاني ، وقد اتضح أن هذا السؤال متعدد الفوائد في تكوين التفكير اللغوي للطالب وتدريبه على تجزئة المعاني وتفسير أشياء عملية ، والتفرقة النظرية بين دلالات كلمات قد تبدو من الخارج متشابهة أو متقاربة ، وهو ينمي قدرات المدرسين أيضاً على التعامل مع المستويات المختلفة من الطلاب بمرونة ويوسع آفاق فهمهم اللغوي) . مثـال: * قلم :
1_ شيء نكتب به .
2_ الشيء الذي أكتب به .
3_ به أكتب .
4- أكتب
5_ آلة الكتابة .
6_ أكتب فيه .
ويلاحظ أن الإجابتين رقمي 4، 6خاطتان ، لأن الرابعة ليست شرحا لكلمة ما ، وهي ناتجة عن نسيان الطالب حرف الجر وتدل على ضعف شديد في قدرته على التعبير والتركيب ورقم 6هي خلط في حرف الجر بين (به 0 فيه ) وهي أيضاً شرح كلمة (دفتر أو ورقة ) وليس (قلم ) ولو كتب المدرس في السؤال نفسه كلمة (دفتر) فإنه يقلل احتمالات وقوع هذا الخطأ لأن الطالب إذ كان يقظا سيصل إلى الكلمة الأخرى فيكشف خطأه ويصححه ، ولو كان الطالب في بلد تستعمل عاميته (في) بدلا من (ب) مل بعمى بلاد الشام ، فإن احتمالات وقوع الخطأ تزداد كثيرا .
* اكتب السؤال : تنويعات هذا السؤال هي:
1_ اكتب عشرين سؤالا جوابها موجود في النص .
2_ اكتب
3 أسئلة جوابها موجود في الجملة التالية .
مثلا:
أحمد طالب في مصر . الجواب : من هو أحمد . ماذا يعمل أحمد . أين يدرس أحمد . . إلخ .
3_ اختر السؤال المناسب لهذا الجواب : (جملة وتحتها قائمة أسئلة أحدها فقط هو السؤال الذي تجيبه الجملة أعلاه ) .
4_ أسأل عن الفعل الموجود في الجمل الآتية . (وتنويعاته :
أسأل عن الزمن . .
أسأل عن . . ) ويفيد هذا السؤال في تدقيق استعمال الطلاب للأسئلة ، وعلى المدى الأبعد يفيدهم في المحادثة وهي ركن أساسي من برامج تدرينا إن لم تكن هي " الركن الأساسي" .
5_ تضم جميع الامتحانات والتدريبات بعد نهاية الدورة إلى ملف لدى الإدارة يعرف باسم "مخزن التدريبات" لتفيد في تجارب تالية .
6_ خرجت آخر امتحانات اللغة العربية ملائمة جدا للمقاييس والشروط التي تحددت ليكون الامتحان "جيدا " . ولكن هل نجح هذا الامتحان في القياس ؟ في الحقيقة لا . وهذا هو الخطأ الذي لمت نفسي عليه مدة طويلة بعد ذلك . وسأحكي في مرة تالية قصته بالتفصيل .
( يتبع )