قلم كحل أسود
وقفتْ أمام المرآة تكتحلْ بهدوء على ضوء أشعةٍ تتلصصْ من ثقوب النافذة ...طرقات على الباب يعقبها دخول أختها الشابة..التى تمد يدها عفويا تضيء المصباح... ينتشر الضوء ...ترى وجههاً فى المرآة..تتعجبْ..أهذا وجهها؟ كأنما نامت فى الكهف واستحالت غريبة.. وأصبح وجهها .. وجهاً قديماً تعششْ فى جانبيه الغبار..تقف أختها بجانبها تتاملها فى انبهار ثم تقول:
يالكِ من باهرة الحسن.
تجيب فى سخرية : حقاً!
نعم أنت تعرفين.
تبتسم فى مرارة..بدون أن تتكلم.
تعقب أختها وهى تدرى سر مرارتها:
أدرتِ رؤوس الرجال!
في إيجاز تجيب :
آه! نعم .الرجال يحبون الجمال.
تنظرْ في المرآة... الجمال في وجهها ينتحرْ على سطح حزنٍ داكن مثل فراء الليل... يتفجرْ من نبع آخر في كهوف ضلوعها طيور وحشية... تفقسْ في ثنايا وجهها أفراخاً سوداء... تغرسُ مناقيرها في قلبها.... تثقبُه... فتفورُ نوافير الدم الأسود.. . يأتي صوت أختها من بعيد فتطيرُ الأفراخ :
هل تعلمين ؟ أنت أكبر منى بسبع سنوات , ولكن من يراك معي يعتقد أنك أصغر منى, أنت لا تكبرين يا أختاه!
تضع خاتما فى إصبعها.. كل شىء يصيرْ الى غيره..انها دورة الأيام.. تبدأ رحلتها قادوساً فى ساقية الزمن... ولهذا تهطلُ فى غابة نفسها أمطار الحزن ,يعودْ صوت الأخت فيتوقف المطر:
لك عينان هما أجمل ما فى وجهك , فرعونيتان رائعتان ليت لى مثلهما!
تأخذْ قلم الكحل وتكتحلْ... العيون زجاجية...تكتحلْ بدمع العمر المسروق.. ويتشحْ ضباب المآقى بندفٍ من عسل... يغرقْ فى ليل أسود .. يعودُ صوت الأخت من جديد ,فتعودُ المرآة الضائعة من جديد:
هل تعلمين ؟ أحيانا أشعرُ بالشفقة على زوجك السابق !
ترد فى لا مبالاة وهى تكتحل :صحيح! ولماذا؟
:جمالك أفقده صوابه.
يجمدُ القلم فى يدها... المرآة تتحول الى دوائر ماء يتوسطها وجهها... وصوته يأتى صارخاً فتهتزُ الدوائر فى عنف:
أيتها الجميلة كم رجلا تعشقين؟
هل تقنعُ أسطورة الجمال برجل واحد؟
تمتدُ يداه من وسط الدوائر.. تسحبُ عنقها.. وهو يصرخُ فى هياج:
كم أكره جمالك!
كم عدد عشاقك يا فاتنة؟
أخبرينى يا أسطورة الجمال كم عددهم؟
ويتسلل صوتها ضعيفا مختنقا: اتركنى أنت مجنون.. مجنون!.
ويضيع الصوت.. ويترسب صمتها فى القاع... تغمرها طحالب ميتة.. تفكر.. تحفرُ صوتا فى الماء.. وتنسى.. ويندلقُ الهذيان .. تصطف الهوامش أمام غبار المرآة وتطالبها بالمشهد ذاته... تكنسها ... تنفض رأسها فى عنف.. وتضع قلم الكحل:
هيا لقد تأخرتْ .
تتناول حقيبة العمل والنظارة السوداء..وتمد يدها لتقفل ضوء الغرفة .. فتجد أنها نسيتْ أصابعها على قلم الكحل الأسود.
بقلم: الوردة السوداء