لتكن لنا وقفة هذه المرة مع شعر / شاهين أبو الفتوح ، حيث يمكن التعامل مع قصيدته هذه من خلال بنية القصيدة ، شكلا ورؤية ، من الداخل ومن الخارج ، فكلاهما يخرجان من الأصل الاجتماعى ، حيث يقترب الشاعر هنا من القصة ، بما تملكه من سرد وحكاية وحدث ، وهو فى ذلك لم يبحث عن أنواع شعرية مغايرة ، ما دامت تحقق الأغراض التى سعى إليها ، هو يستعين بقالبنا الشعرى مستفيدا من التنغيم الداخلى للقصيدة ، وهنا يبدو المقصد الاجتماعى والسياسى وراء المقصد الجمالى للقصيدة ، الشاعر يدرك تماما طبيعة العلاقة بين الإبداع والمجتمع ، ولنذهب معا لمطلع القصيدة الذى يؤكد على مبدأ الحكى والسرد الذى أشرنا إليه سلفا ( كان )
كان طفل نبيه يجي منه
لماح وفصيح فاق سِنه
كان الأستاذ مشغول عنه
بابن الناظرة وابن اللِـ ..
الطفل اتْخَرَجْ من سجنه !
هذه نظرة لا تخرج عن كون الشاعر يحمل هما اجتماعيا يضرب فى قصيدته على طبيعة العلاقات الاجتماعية ، ودور الكائن الاجتماعى المسمى بالإنسان فى خلق معادلة صحيحة فى التوليف بين مسئولياته ورغباته ، وبالطبع لأن الإنسان تخلى عن دوره الحقيقى فى المجتمع ، فبذلك يضطرب المجتمع ويتحول الفقير فيه إلى مسجون داخل وطنه ، ثم ينتقل الشاعر بتلقائية وبساطة غير مكلفة للقطة أخرى ليوصم المجتمع كله بالعار لأنه يقضى على احلام الصبا والطفولة ... قصد أم لم يقصد
ودا من صُغره يحِب الكورة
فـ المدرسة كان واد شَطُورة
من أسرة فقيرة ومَستورة
مَنَعُوه مـ اللعب ولا فَلَحْش
رَسَمْ الملعب عـ السَبورة !
هذه اللوحة غاية فى الروعة ، أجاد شاعرنا رسمها ، لأنه لعب على وجع اجتماعى عام ، فمست القلب وبذلك تتحقق الوظيفة من الشعر أصلا
ودا كان عنده ميول فنية
يفرح من جملة موسيقية
لو كان لقى حبة مراعية
كان اصبح إنسان فنان
مش سجان للحرية !
ينوع الشاعر فى لوحاته من طفل يحب الرياضة وطفل فى الأساس يحتاج الرعاية وطفل يهوى الفن ، لتستمر ملحمة العار على المجتمع ، أى مجتمع هذا لا يقدم لبنيه شيئا ، فقط هو لا يقف متفرجا بل فاعلا فى الفجيعة والخطيئة فى حق بنيه
ودا مولود على ضهر الفرن
واخد احلامه بالحُضن
يحلم بالقمح وبالقطن
بالبيت والغيط والزرع
قام مالقاش لا غيطان و لاجُرن !
هذه اللوحة الأخيرة هى تلعب على وجدان الأمة ، رغم الفقر ما زال هناك حلم ، لكن هذا أيضا يعتبر حراما ، أى مجتمع هذا يحرم الحلم ، هى قضية اجتماعية لها دلائل أو مدلولات سياسية موجعة .. ولعلنا نتذكر قانون الأرض الزراعية الذى أصبح فيه الفلاح بلا قيمة وسلبت كل الحقوق التى أعطاها له كيان الثورة المصرية
القصيدة تفجر كل هذا بل أكثر .. ولن أخوض مع شاعرنا فى بعض الأشياء التى تخص بناء القصيدة كوحدة موسيقية .. أو ما إلى ذلك
تقديرى العميق لشاعر يدرك تمام الإدراك قيمة الكلمة