ثمة شيء هناك
حيث تتراقص الفراشات ، من غير أن تشعر بقلب نابض بالحزن والأسى ، ماكثٌ من يحمله في أرض يظن من رآها أنها جزء من الجنة، ولا يتخيل الرائي أن أحداً يقطن في تلك الأرض يمكن أن يحمل من الحزن ما يحمله ذلك الماكث وقد علت وجهه الأبيض الجميل علامات من الهم الطويل ، والسهر العليل.
ولا تزال الفراشات في تغازلها، والبلابل تصدح بنشيدها الحلو ، دون أن تشعر به ، وهو يشعر بها وكأنها تتعمد أن يزداد جرحه عمقاً ، وحزنه تجسداً ، يغيظه أن لا يشعر الكون من حوله بشعوره، وفجأة تهبط حمامة بيضاء على شجرة مجاورة، لتصدح بصوت رشيق حزين ، وكأنها تشاركه حزنه ، يتذكر حينها قول الشاعر :
فبت أشكوى وتشكو فوق أيكتها وبات يهفو ارتياحاً بيننا الغصن
ومن ثم يلعن في نفسه ذاك الغصن البغيض الذي يهفو ارتياحاً دون أن يشعر بقلبين يتفطران ألماً ، ويشفق على تلك الحمامة المسكينة، فهو وهو الإنسان قد أوشك قلبه أن ينفجر ، فكيف لحمامة صغيرة أن تطيق ما يطيق وتتحمل ما يتحمل .
دارت به الأفكار في دوامة لا يدرك كنهها ، ليجد نفسه قد أمعن التفكر في هذه الحمامة ، بل إنه أوشك أن ينسى همه أسىً عليها ، وعندما استفاق من دوامته أدرك كم كان قلبه كبيراً ليستع لشكوى الحمامة.