هي صفحات من ذكريات القائد الشهيد .. قرأتها و أحببت لمن لم يقرأها أن يشاركنيها ..
××××××
حفريات في ذاكرتي
أينما وليت شطر ذكرياتٍ مرت بخيرها وشرها وحلوها ومرها؛ وجدت أن المعاناة الناجمة عن احتلال فلسطين تصبغ كل شيء في حياتنا كشعب فلسطيني، وأجدني مضطراً إلى العودة إلى أحداث من تلافيف الماضي البعيد، التي حتماً ستسلط بعض الضوء على حجم الكارثة التي حاقت بالشعب الفلسطيني، الذي لم يكن له من ذنب إلا أنه شعب فلسطيني مسلم، وقد غلف اليهود جرائمهم بحق شعبنا المعذب على أيديهم بغلاف توراتي أسطوري، ولقد حفرت بعض المآسي أخاديد عميقة في الذاكرة؛ فلا يمكن نسيانها، ومنها:
مذبحة خان يونس على يد اليهود عام 1956
في عام 1956 إبان العدوان الثلاثي على مصر احتل الصهاينة قطاع غزة، وارتكبوا مجازر بشعة كعادتهم، ولكن هذه المرة في مدينة (خان يونس) حيث كنت أقيم في مخيمها منذ أخرجت مع أسرتي من قريتي (يبنا) التي تقع بين (اسدود) و (يافا) وأنا ابن ستة أشهر؛ لأجد نفسي في معسكر (خانيونس) للاجئين الفلسطينيين، لقد ارتكبت المجازر بحق المدنيين الفلسطينيين، حيث كان اليهود يقتحمون البيوت ويقتلون كل من فيها من رجال أمام أزواجهم وأبنائهم، وكان لي عم يدعى "حامد الرنتيسي"، ولم يكن لأبي أخوة غيره، ولقد اقتحم اليهود بيته كما اقتحموا بيوت الجيران، وكان يجلس مع زوجته وأبنائه، فصوبوا عليه السلاح، فما كان من ابن عمي "موفق" ابن التسع سنوات إلا أن ألقى بنفسه على والده، ولكن القتلة اليهود لم يكترثوا لهذا المشهد، ولم يترددوا في إطلاق رصاص بنادقهم؛ فقتلوا الوالد وأصابوا الطفل بجراح متوسطة في ساعده، وبعد أن اقترفوا جريمتهم تلك انتقلوا إلى البيت المجاور بيت آل "السعدوني" حيث كان أربعة إخوة، فأمروهم بالوقوف ووجوههم إلى الجدار، ثم أطلقوا عليهم الرصاص فحصدوا أرواح ثلاثة منهم، وقفز الرابع فوق الجدار فأصابوه في قدمه، ولكنه تمكن من الفرار ليبقى شاهداً على المجزرة حتى يومنا هذا، وهو السيد "خميس السعدوني".
لقد قتل الصهاينة في مذبحة (خان يونس) بدم بارد 525 فلسطينياً، جميعهم من المدنيين الأبرياء، ولقد تعفنت جثثهم في شوارع المخيم، وكان الأمر لا يطاق. فحسبنا الله ونعم الوكيل.
الفقر الذي عاشه الفلسطينيون إحدى جرائم الاحتلال
لقد كنا في وطننا نعيش حياة كريمة ميسورة؛ بيت جميل في (يبنا) لا زال قائماً حتى يومنا هذا وقد ولدت فيه، وبستاناً واسعاً يحيط بالبيت من كل جانب، ولكن الصهاينة الذين اغتصبوا الوطن وشردوا أهله وضعونا بين فكي الفقر يطحننا طحناً، مما اضطر أخي الذي يكبرني مباشرة إلى أن يترك دراسته ليتعلم حرفة يستطيع من خلالها الإنفاق علينا، وكان الوالد قد توفي عام 1962؛ ليصبح أخي رب الأسرة، ولكن دخله من هذه الحرفة وهي "الحلاقة" كان زهيداً جداً، فأخذ يرنو إلى الذهاب إلى السعودية وهو ابن العشرين من العمر عله يجد عملاً ينقذنا به من براثن الفقر، وفي عام 1964 عقد العزم على السفر، وفي هذا العام كنت أشق طريقي إلى الثانوية العامة؛ فخرجنا لوداعه بعد صلاة الفجر مباشرة نسير على أقدامنا متجهين إلى محطة القطار، وبينما نحن نسير إذا بالوالدة -رحمها الله- تقول لي: يا بني أعط حذاءك لأخيك؛ حتى لا يذهب إلى السعودية حافي القدمين، وأما أنت فسيرزقنا الله، ونتمكن من شراء حذاء لك قبل بداية العام الدراسي -الذي كان فعلاً على الأبواب-، وقد فعلت وأعطيت أخي الحذاء الذي كنت قد اشتريته من الأحذية المستخدمة بملاليم قلائل، وعدت إلى البيت حافياً.
يـــتـــبـــع ...