وفاة جدي
استيقظتُ ذاك الصباح على ضجيج و صراخ أمي و عمتي و على نحيب أبي ...لم أفهم شيئا ..بقيتُ في مكاني أنظر إليهم وإلى أختي الكبرى و قد جلستْ إلى الأرض جاهشة بالبكاء و سمعتُ كلاما لم أستوعب حقيقته حينها و عبارات لم أستطع أن أفهم معناها ... لقد مات الجد ...
لم أدرك معنى الموت و لم أكن أعلم حينها أن له طعم العلقم و وأنه قدر لا بد منه ,لا يمكننا ان نمنعه أو نبعده عنا ...
و أنه فراق أزلي بيننا و بين من نحب , فراق محتوم نتقبله رغما عنا و نستسلم له .. بقيت ُعلى حالتي تلك مذهولا لما يحدث أمامي و استيقظت حواسي كلها دفعة واحدة ..رأيتُ جدي و هو يمشي متكئا على عصاه الخشبية و سمعتُ صوتا من الماضي يناديني و شممت رائحة زكية طيبة, تلك الرائحة أذكرها جيدا إنها رائحة انبعثت من جدي حينما عاد من الحج و تذوقتُ التفاح المغطى بالحلوى الذي كان يشتريه لي جدي ولمست بإصبعي الصغير كف جدي و هو يصاحبني الى زيارة الأقارب يوم العيد ..حينها انتابني شعور خفي امتلكني لحظة واحدة فأجهشتُ بالبكاء دون وعي مني, أبكي بحرقة و ندامة و لم أستطع التوقف عن البكاء
تجمع حولي كل الأهل و أخذوا في تهدئتي و محاولة طمأنتي ..أخذتني أمي في صدرها و أخدت تمسح دموعي بكفيها و تطلب مني عدم الخوف ...
لم أكن حينها أستطيع أن أفسر لهم شعوري و لم أجد الكلمات المناسبة للتعبير عن حالتي ..كلهم ظنوا أنني أبكي من الخوف أو من الهلع .. لم يستطع أحد منهم أن يفهمَ احساسي حينها , أنا نفسي لم أدرك ذلك الإحساس إلا بعد فترة من الزمن .
تجمهر الناس خارج البيت و الكل في حالة من الهدوء و الخشوع ..ينظرون الى النعش الموضوع الى حافة الباب و رأيت من بعيد أخي الأكبر وهو يجري نحو المنزل فجريت نحوه و لكنه لم ينتبه لي كان كل همه أن يصل الى البيت و يدخل غرفة جدي نزل بركبتيه الى الأرض و أمسك يد جدي يقبلها و هو ينتحب و إذ بيد والدي على كتفه و بصوت حزين ... لا تحزن يا بني لله ما أعطى و لله ما أخذ , إنا لله و إنا اليه راجعون .
كانت كلمات أبي مدوية في أذني ..نعم نحن لا نملك إلا أن نصبر و نحتسب فنحن كلنا ملك لله تعالى بيده يمنحنا الحياة و بيده ينهيها .
وضعوا جدي على النعش بعدما غسلوه و كفنوه , و تزاحمت الأيادي و تبادلت في حمل النعش حتى وصلوا به الى المسجد فصلى الإمام صلاة الظهر و بعدها صلاة الجنازة ثم رُفع النعش من جديد و أخذ الناس يكبرون حتى وصلنا إلى المقبرة حيث رأينا حفرة كانت المنزل الجديد لجدي, بعدها دُفن جدي و وارى جثمانه التراب ..أخد الإمام يتلو على الناس بعض المواعظ و يذكرهم بالموت ثم أخذ يدعو لجدي و لسائر موتى المسلمين .
بعدها رجعنا الى البيت و تركنا جدي في قبره وحيدا دون أنيس .
من كتابات الصبا / هشـــــام