جاءنى صوتها المقتحم الواضح الحروف كشخصيتها مرحبا بى سعيدا كعادته عند سماع صوتى فخفق قلبى خفقة حميمة لتلك السعادة التى نتبادلها كلما تحادثنا عبر الهاتف.
- أمازلت تصلين الجمعة فى القائد إبراهيم؟
شعرت بابتسامتها وهى ترد بفرح مدهش
- سنلتقى هناك
ملأت جيوبى بأنواع جميلة من الشيكولاتة التى تعشقها ومشيت أتخيل لقاءنا وكيف سأهديها قطع الشيكولاتة قطعة قطعة طول حديثنا الحميم لأمنحها سعادة استثنائية... كيف سأباغتها بجيوش الحب وأكسر هذا الجدار العازل الذى تعيش خلفه... هذه المرأة لايصلح معها الطرق المعتادة فى إعلان الحب... امرأة تريد رجلا يقتحمها دفعة واحدة... لاتحب تردد البدايات وتكره لعثمة المقدمات... امرأة لاتحب أن ترى الرجل أمامها ضعيفا مترددا.
ربما كنت الرجل الوحيد الذى فتحت له قلبها ومنحته مساحة واسعة للاقتراب من مشاعرها... عشت فى هذه المساحة سنتان هما عمر علاقتنا... كان شوقنا للقاء ودودا دافئا تظلله لهفة لاتخفى علينا وإذا مالتقينا نتبادل السلامات بود جميل ثم ننجرف فى أحاديث كثيرة عما فعله كل منا فى غياب الأخر نستمع لبعضنا باهتمام ونتبادل الآراء الناضجة فى المشكلات التى واجهتنا... أما الحب فكان له حديث آخر لاعلاقة له بالكلمات... حديث نظرة دافئة عابرة... لفتة حانية... اتساع حدقة العين اهتماما بحديث الآخر... خفقة قلب نتبادلها حين نتفق على معنى أو كلمة نقولها بشكل عفوى فى نفس اللحظة... فنبتسم لمعنى واحد دار بخلدينا فى ذات اللحظة... الشوق الجارف الذى نراه فى اللهفة على اللقاء... والراحة الغامرة والأمان العام وإحساس بامتلاك الدنيا لمجرد تجاورنا فى المجلس... أى مجلس.
غير أنها لم تكن بنتا عادية مثل كل البنات لها ألف طريق للوصول إلى قلبها كان الطريق إليها واحد... مبادرة مباشرة وواضحة وقوية... وذلك ماجعلنى مترددا فى كل الأوقات التى هممت أن أبادرها... والغريب أنها صبرت كثيرا فى انتظار مبادرتى كان صبرها جميلا مفعما بالأمل فى كل لقاء لنا أن أبادرها...
أخذت وقتا طويلا حتى عصر الحب قلبى عصرا... فلم يعد يطيق بعدها أبدا فقررت كسر هذا التردد واقتحام تلك القلاع... هاهى اللحظة الفارقة قد شملتنى... حددت بوضح أول كلمة سأقولها حين تبادرنى بتحيتها المبتسمة...
- تتزوجينى؟
ما أجمل عينيها حين تندهش... ما أروعها حين يتحول الاندهاش إلى ابتسام... ربما لا أعرف كيف أحدد رد فعلها ولكنى أتصور أننى سأكبر فى عينيها أكثر... سنسير على البحر كما اعتدنا من مسجد القائد إبراهيم وحتى المنتزه ونعود سيرا دون أن نشعر بالزمن ولا التعب... يكفينا هذه الفرحة العارمة التى ستجتاحنا...
كانت الشمس ساطعة ففرشت جوا من الدفء العام على الناس كسر حدة البرد الذى صاحب الإسكندرية فى الليل... طال انتظارى وتصفحى للوجوه... كنت أشعر بها وسط الناس وأنها ستفاجئنى كعادتها فأراها مقبلة من حيث لا أحتسب بسمرتها الفاتنة فيخفق قلبى خفقته الحميمة لرؤيتها...
عند حديقة الخالدين وكشك الكتب الدينية وعلى شريط الترام وفى كل الأماكن التى اعتدنا أن نتقابل عندها لم أجدها ركبنى الضيق قليلا ولكن يقينى بقدومها أعاد الفرحة إلى نفسى... حتى جاءنى صوتها عبر الهاتف محملا بالاعتذار قائلة :
- جاءنى موعد مفاجئ ومباغت وهام وجميل سيغير مجرى حياتى وجدته أهم من لقائنا.
انغرست كلماتها كلمة كلمة فى صدرى حتى شعرت بوخزها... فلم أرد فتداركت صمتى قائلة :
- سأتصل بك لن يمر اليوم حتى أحكى لك كل شيئ ربما لن أستطيع أن أراك ولكن انتظر اتصالى.
تجولت طويلا فى شارع سعد زغلول غارقا فى الزحام بلا تفكير فى شئ ما حتى تعبت... حين تخلصت من كل قطع الشيكولاتة قررت العودة من حيث أتيت.