وتستمر الحياة...إنه طالب كجميع الطلبة أمله في المستقبل هو الكبير، فلا يجعل طريقا لليأس في لحظات حياته المتدبدبة لكن أحيانا تجري الرياح بما لا تشتهي السفن لينطفئ فتيل الصبر مع هذا الزمان الذي لا يعرف رحمة الضعيف فيتثاءب المرء تثاؤب المريض.
هكذا بدأت اللقطة واللقطة نقطة من نقاط الحياة وريح تسقط ثمار الأشجار على الأرض وقف فوق الضفة وكله أمل أن ينسى أو يتناسى ما ضرب لأجله الباب حتى سمع دويه عند الجيران أو على الأقل أن يتناسى ذلك المشهد ويغدو إلى مكان حيث الكل لا يتحرك إلا بإشارة من الطبيعة.. وكيف ذلك وكل المؤشرات تشير إلى انه سيعود فأي بيت سيقبله في مثل هذا الظرف والزمان.
عاد من الجامعة هروبا من عصي ”الأمن“ لأن الصراع بين الامازيغ والصحراويين قد اشتد وحين يشتد الصراع فلا يقبل السجال حتى يكون هناك جارح ومجروح أوقاتل ومقتول.. لتذخل السلطات إلى الحرم الجامعي فأي حرم من الحرم فلم يبقى هذا الاخير إلا اسما تتضارب به الألسن أما تحقيق ما وجد لأجله فهو ضرب من ضروب الخيال، فترى ( الهراوات ) في كل اتجاه لا تفرق بين هذا وداك ولا بين هاته، وتلك لكن المشكل الكبير يكمن في لماذا هذا الصراع بين تلك الفئتين؟؟ الذين يسمون حربهم حرب كرامة ورد الإعتبار، ناسين أنهم تحت راية فوق كل اعتبار وفوق كل ما يزعمونه، وأنت تشاهد ذاك المنظر تخال أنهم يتجادلون ويحاربون من اجل تحرير أرض من الأراضي المحتلة فلا يقودهم في ذلك إلا اديولوجيات يتغدى منها الكبار أما الصغار فمأواهم جهنم وبيس المصير.
هرب المسكين من تلك الحرب حتى لا يكون الضرب مصيره ذلك اليوم في مجتمع العاطلين وملتقى العشاق ومأوى الأحلام الكاذبة (الجامعة)... فكانت وجهته الرجوع إلى المنزل ليصادف جدالا من نوع آخر؛ جدال حول الزيت والدقيق ومن سيجلبه بعد بطالة الأب لأسابيع بل لشهور بسبب إغلاق المعمل الذي يعمل فيه بوابا لتوالي الديون على صاحبه ولم يجد إلا إغلاق الأبواب في وجه العاملين فلم يكن لهاته الفئة إلا التنديد ورفع الشعارات واللافتات أمام المعمل.. إيمانا منهم أن ذلك سيرجع شيئا من حقوقهم.. لكن من سيلتفت فلا حياة لمن تنادي.. فالكثير والكثير من نمادجهم ولا شيئ إلا عقلية الغاب بارزة في مجتمعنا بروز أنياب الأسد عند رؤيته فريسة. فالقوي يأكل الضعيف لتدخل الأم مع الأب في عراك كل يوم على المعيشة فكلما حاول المسكين التدخل كحل وسيط إلا وكان نصيبه السب والشتم والبصاق على وجهه ويعلي أباه عباراته المعهودة(سكوت الحمار كتافك كبر من دياولي بقا ليا تما فالقرايا، القرايا أشداروه اللولين إطفروه التاليين )ثقلت عليه تلك العبارة فانتفخ رأسه وتشنجت أعصابه وانحبست أنفاسه وأصبح كقلب نملة مختنقة، خرج ولا يملك في هاته الحياة سوى حنان ام وعطف أخت ومواساة صديق ليجد نفسه على هذه الضفة أمام نهر جارف ونباح الكلاب الضالة تصوت في كل مكان ويسترجع صير أيوب ويقول آه فأي وجهة سأسلك رباه ؟؟ أأترك دراستي بعد هذه السنوات وأذخل حرفة تعلمها قد فاتني !! وأضع حدا لمتمنياتي وتذهب مذهب سحابة صيف تمر مرور الكرام؟؟ فعقلي سينفجر ؟ أو أرمي بنفسي في هذا النهر وأريح الدنيا مني وأقطع علاقتي مع أوجاعي وحزني ومعاناتي إلى الأبد؟؟ لالا لمن أترك أمي المريضة وأختي البكر المسكينة ساقاوم وأصبر إلى آخر المطاف.. لكن ما العمل إذا.. أين المفر ؟ آه آه فضعف الحال وفقرالحال مأساتي.
بدأ جالسا يرمي بالحجيرات إلى النهر لعله يجد حلا لمأساته وكل السبل واقفة مغلقة في وجهه.. من بعد ذلك استرخى على العشب تحت ضلال شجرة وارفة فرغم غسق الليل فالقمرة تبرز ظلالها كأنها في صبيحة مشمسة..
بقي مرخيا متجهما ناظرا إلى السماء بعينان جاحظتين في النجوم هناك إلى المدى البعيد يبحث عن الحلول حتى أخدته غفوة من النوم ولم يستيقظ منها إلا بتغريد العصافير وبأشعة الشمس النتسللة بين الأغصان فنهض من مكانه في اتجاه مجرى مائي غسل منه يداه ووجهه فاتجه من بعد ذلك إلى منزله ليبدأ يوما جديدا من أيام حياته وهكذا تستمر الحياة...