دخل فصل الخريف
الهواء الجاف المعتدل يتسلل بين الأغصان فتلتوي منه أوراق الأشجار الذابلة لتسقط على الأرض
ولكثرة الأشجار التي زين بها فناء الجامعة الفسيح تتجمع أكوام كبيرة من الأوراق المتناثرة ترهق بها كواهل العاملات في كل صباح
ومع إشراقة الشمس وفي ذات صباح الباكر جلست ليلى على مقعد تحت إحدى الأشجار وهي تعلن حدادها على فصول الأزهار والثمار بدموع أغصانها الورقية
الأوراق تتساقط واحدة تلو الأخرى وليلى ترمق المنظر بتأمل مشدود
اقتربت منها هالة ألقت عليها السلام فردته ليلى بلطف وما زال الوجوم يخيم على عالمها السابح
لمست هالة منها ذلك الشرود
لم تتردد أن تجلس بجانبها فهي صديقة حميمة تكن لهل كل تقدير
ما بالك يا ليلى ما هذا الشرود والنظرات الأسيفة ؟
التفتت إليها ليلى , ثم عاودت التأمل
ولكنها رقت لكلمات صديقتها فأطرقت بنظرات كسيرة إلى الأرض
ثم تنفست تنفسا عميقا وقالت :
أختي هالة : تتكرر أحداث ومواقف كثيرة وعجيبة في هذه الدنيا ولكننا كثيرا ما نكسر غرابتها بنظرة التعود والرتابة نغيب بها عن التأمل والتفكير لنفقد أجمل شيء في الوجود وهو الشعور بعظمة الخالق وتدبر ملكوته وسلطانه وتصريفه في خلقه
ثم عادت إلى التأمل وملاحقة نسيمات الصباح بنظراتها الوديعة وهي تصافح الأغصان التي تهتز لها فتلقي بأوراقها الجافة المكسورة بعيدا حيث تقلها تلك النسيمات
هالة : وقد شدها حديث ليلى الذي لم تتعوده منها , فليلى فتاة تحب المداعبة دائمة الابتسامة , لا تمل حكايات المرح والسرور : ولكن عزيزتي ليلى ولم كل هذا الإطراق والوجوم , ثم ما هو الأمر الذي تجدد في خاطرك هذا الصباح فحملك على أن تسبحي في عالم التأمل
ليلى : انظري عزيزتي إلى هذه الأوراق التي تتسارع إلى الهبوط في عالم الموت , تأمليها جيدا , ألا ترين أنها تختلف في ألوانها وأشكالها , البعض أخضر اللون فتي الطلعة ممتلء بالحياة التي فارقته بموت الأغصان
والبعض الآخر تسلل إليه الفناء مع ظهور علامات الشيخوخة والعجز , لونه أخضر ولكنه مشرب بصفرة باهتة , وبعض التكسر بدى على أطرافه اليابسة
والبعض الآخر وافته المنية وقد انتهت منه معالم الحياة , لونه أصفر يبست أطرافه مات قبل أن يموت غصنه
وهذه آجال الناس ...............
ثم تلت قوله تعالى :{لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}
أفلا تكون لنا هذه الأوراق عظة نعتبر بها لتقف بنا أمام عظمة الحقيقة فنتنبه من غفلة الأمل ونعاود العمل قبل أن تموت الأغصان وتلقي بنا في عالم الفناء