المشاركة الأصلية كتبت بواسطة معروف محمد آل جلول
ـ 1ـ القصة كاملة..
سِرُّ السَّحابِ..
ياسمين ابن زرافة
تبسّم..
أمطره أحشاء الحوّامة فـتبسّم..
أفرش له الألغام دربا فـتبسّمَ..
أودعه الحُفْرة فـبدت نواجذه من الضّحِك..
فرفع العين إلى حيث كان الصّغير يحدِّقُ وحك شبه القبعة؛أي شيء..؟أيُّ سرٍّ يا تُرى خلْف السّحاب؟؟
ـ 2 ـ العنوان..
مدخل إلى التشاكل والتّباين ..في البنيوية..أي الحداثة وما أنجبت..
هذه قصة ..
تداخل تشاكلها في تباينها..بتناقض الألفاظ في ضفةٍ ؛وتآلفها في الضفّة الأخرى..لتتراوح المعاني بين..التناقض التام..والتآلف التام..
التقاء شخصيتين متناقضتين ..حول فعل واحد ..وانسجامهما معه..كل حسب طريقة تفكيره ..
والعنوان .يغوص في العمق.يأخذ المعنى من جذوره..
//سـر السّحاب//..سرالسّحاب.. الانجاب وليس العقم..
وكينونتها ..مطر..والمطر سبب الرزق..ووراء سبب الرزق..مسبّب الأسباب..
ليحيط الخالق بالعملية الإبداعية ..
حاضرا مُنْبعثا من الشعور الباطن للمبدعة..وهو ـ سبحانه وتعالى ـ مُبْصر..شاهد على الأحداث في الواقع ؛وعجلة التاريخ تدور؛وفق مشيئته في صراع الحق مع الباطل..
الحـب فيه ..والبُـغْضُ فيه..
ويُنْقل المشهد ..وثيقة مَعيدةً في الحساب..
حيث العدالة الرّبانية..
نعم..هذا هو مختصر سـر السّحاب..
وقد أعلن هنا العنوان ..مُعانقته لكل لفظة في النص..
وهذا يكفي..للدلالة على نسيج القصة / الومضة المُحكم..
فـهي حدث واحد..تناسقت أطرافه..فـأعطت تُحْفة فنية ..مُتْعة الطمأنينة..
ـ 3 ـ الشخصيات..
شخصيتان نموذجيتان متناقضتان ..إحداهما في أقصى الحق..وأخرى في أقصى الباطل..لايلتقيان أبدا..إلاّ لتصفية الحسابات العالقة بين الحق والباطل..
الأمطار ..الأفرشة..وكأن شرّ الحوامة ..الألغام..بمجرد انطلاق فعله..يشرع في الوضوء..لتحتضنه شخصية الحق..خيرا خالصا..
تجسدت قيم الشر في الشرير..القسوة؛الهمجيّة ؛الخِسّة..
فاعل الابتسام والضّحك..مَثَلُ كلّ فلسطيني حكيم؛صـبور ؛واعٍ؛مُتصدٍّ..
ـ 4 ـ الإطار الزمكاني..
مُطْلقة في زمانها ومكانها..اليوم فلسطين..
غدا تقتدي ..أمةأخرى.. مستعمرة..
وهنا عالمية القصة..وجازت ترجمتها إلى لغات العالم ..لإبلاغ الحق..وما أنتج من خير..في الحب والجمال..
ــ 5 ـ تشاكلات وتباينات النّص..
هذا الأدب ما هو إلاّ..
كلمة حق تُغالب.. ثُم تنتصر..ولابد لها من فاعل يحتضنها متأثّرا بالنص..
أمطر..تبسم..
أفرش..تبسم..
فعل المطر دلالة خير ؛ورمز بشرى لِمَا يحْمِلُه من رزق للبشرفي الأرض..وحينما تُسْتخدم الكلمة في موضعها الأصلي..تتشاكل مع الابتسامة..مما يجعل فعلي/ أمطرـ تبسم/الدالان على الحركة المُسْتمرّة في الماضي؛والمُتكررة ..مُتآلفان ..مُتناغِمان..مُنْسجمان..
فـالسلاح الثقيل الذي يستخدمه الصهيوني بنية السّوء؛المُمَثّلة في الإبادة الشاملة ؛والتّرويع ؛والقمع..ينظر إليه الفلسطيني بأنه بلاء من الله ..فيه للمؤمن خير..طبيعي ـ إذا ـ أن يستقبله بالابتسامة..
والإمطار دلالة القصف العشوائي..يتهاطل أينما اتجه الفلسطيني؛ومهما دقّق الصهيوني التّصويب..تبقى الابتسامة مرجعية يقين بالقضاء والقدر..وللموت أسبابه..ولم يكتف آل صهيون في تجسيد رغبة الإفناء بسلاح واحد..بل اتخذ أشكالا وألوانا؛منها ..زرع الألغام..وهي دلالة ضعف ويأس..فـالقناعة بأن السلاح الظاهر ؛المُباشِر ؛قليل المفعول؛دفع إلى التّفكير في طريقة الاغتيال ؛وهي من أسمى مرتب الجبن../ أفرش..تبسّم/..
حتى أداة الحرب/حوّامة ـ ألغام/ مع ما يُلْقيه ذِكْرُها من ذُعْر نفسي باطني؛عميق..يحْمِل المَقْتَ؛فـ الفزع ؛فـ النفور..لُفَّ في استعارة بخاصّيتي/ أمطرـ أفرش/وما يحويان من طُمأْنينة ؛وسكينة ؛ورضى..
وهنا جمالية فنية عجيبة ؛غذّتها الصور التي شاكلت التباين؛وألّفت التنافُر بين المفردات اللغوية ؛لِيبقى الإبداع في حسن اختيار الألفاظ؛وتبقى اللغة هي وسيلته الأساسية..
التنافر جليّ بين / الحوّامة ـ الابتسامة..//الألغام ـ الابتسامة /
ولكن خاصية المُشبه به / أمطر ـ أفرش/..حوّلت المشبه / الحوّامة ـ الألغام/ إلى تآلف مع الابتسامة ..
ثم../ أودعه الحُفْرة / ليس من شِيَمِ آل صهيون دفن ضحاياهم ؛وإكرام الميِّت..ولكنها مجرد كناية عن إصابته وقتله..
وهنا ارتقى المجاهد مع ارتقاء الحدث..كما قابل القصف ـ الألغام ..بالابتسامة ..قابل القتل بالضحك إلى درجة ظهور النّواجذ..للدلالة على التّماهي في الضحك إلى أقصى منتهياته..كيف لاوقد تيقن أن الله قد فضّله على إخوانه المجاهدين بالشّهادة ..وأدرك مِقْعده الفردوسي..حيث مُبْتغى كل مُريد ؛عاشق..
وهنا ..نقف عند دلالة التّحدّي العميق في النّفسية الفلسطينية..والرّغبة المُتناهية في التّضْحية ..بكلِّ إقدام وصدق..
وننتهي إلى أن ما يراه الصهيوني سوء..هو عند الفلسطيني خير..
تناقض تام..وانفصال كامل..في الرؤية والاتجاه..رؤية قاصرة للوجود..تقابلها رؤية واسعة..ما الدنيا فيها إلا طريق سفر..
حتى أنه يتراءى لك ـ من خلال هذه القصّة ـ أن الصهيوني أستنفذ كلّ قوّته..وحِيله ..وجرّب كلّ وسيلة ؛واستخدم كلّ ذخيرة ..ولم يبق له سوى اليأس أمام اصرار الفلسطيني المُسْتميت..
فـرفع العين ..يُحدّقُ..وحكّ..
تصوير مُحيط بالحالة النفسية التي آل إليها المُجْرِم ؛وما يعكسه في نفسه ذلك الشخص القائم ؛المواجه له بالتّباشير..السّكينة..
إعجاب ودهشةالكافر من شخصية مؤمنة..وهذه حقيقة واقعة في ميدان المعركة..وهنا ..هنا بالذات ؛يتطابق الأدب مع الفكر ..رؤية موحّدة مُنْبعِثة من صُلْبِ هُوِيّة الأمّة..أدب حق ..جاد..خالد..
/ وحكّ شبه القبّعة / فـهو الجندي المُزَيّف؛الذي يدافع عن الخسران والبوار../ شبه /ترتِّبُه في خانة الموت حينما تجرِّده من استحقاق القُبّعة ..وكأنّ التّمادي في الكُفر ..أنتج نقيضه ..التّماهي في الإيمان..ضدّان بلغا أقصى الأبعاد..لايلتقيان في القصّة أبدا..
فـهي تجسيد واقعي ..حقيقة معيشة..]
أخي الكريم معروف السلام عليكم..
تنطلق المفاهيم السيميائية المعاصرة التي تحاول أن تقترب من النص اقترابا عينيًّا تنبُّئيًّا مما يمكن أن يخزنه النص من طاقات دلالية و إيحائية قد لا تلين لقارئ متسرع فتستعصى على الإدلاء بكل مكنوناتها في الجولة الأولى..
و لعل هذه المفاهيم و منها التشاكل و التباين و التناص مما زخر به المنهج السيميائي بكل مدارسه المتعددة
و أراك هنا في هذه المقاربة قد أعطيت للنص من الأدوات التحليلية ما جعله أكثر يسرا في التفهم و التناول
أداء نقدي ممتاز ربما ناداك إلى الإستزادة في تكريس المعنى النقدي تطبيقا و توثيقا..
شكرا لك..
و دمت بهذا العطاء
تقبل تحياتي
عبد القادر