تشكل ظاهرة سوء التغذية كابوساً مزعجاً، ليس للأطفال فحسب بل للكبار والصغار؛ لما لها من تأثيرات نفسية وصحية واجتماعية متدنية وسياسية متوترة ..
فما هي؟ وما أعراضها؟ وما سبل الوقاية منها..أسئلة عديدة طرحت على د.عدنان الوحيدي المدير الطبي لجمعية ارض الإنسان الفلسطينية الخيرية للإجابة عليها.. عبر هذا الحوار:
يقول الدكتور الوحيدي إن سوء التغذية هو عبارة عن ظاهرة مرضية تصيب الأطفال والبالغين، ولكنها تعتبر الأكثر تأثيراً في الأطفال؛ لما يصاحب ذلك من مضاعفات وما يشكله من إعاقة للنمو الجسدي والذهني للطفل على وجه العموم، والطفل الفلسطيني خاصة؛ لأنه هو الاستثمار المستقبلي للشعب الفلسطيني.
انحسار في معدلات النمو
ويضيف أن الظاهرة تعرف بأنها انحسار في معدلات النمو الجسدي بحيث يؤثر ذلك على وزن الطفل فيكون أقل من المعدل المطلوب لمدة سنة، وكذلك يؤثر على معدل الطول في هيئة الأطفال، وأيضا يؤدي إلى نقص العناصر الغذائية الدقيقة بما يؤثر أيضا على محتوى الجسم من المواد الغذائية الأساسية كالمعادن مثل الحديد وما ينتج عنه من فقر دم أو الكالسيوم وما يؤدي إليه من ضعف في بنية العظام وهشاشتها ونقص فيتامين D الذي يؤدي إلى لين العظام.
أهم أسبابها
وحول أهم الأسباب المؤدية للإصابة بها يقول الدكتور الوحيدي: نقص المدخول اليومي للغذاء الضروري للطفل من عناصر الطاقة والبروتينات والمعادن، إما بسبب نقص هذه العناصر في الغذاء الذي يتناوله الطفل، أو نقص الرضاعة الطبيعية السليمة. إضافة إلى المشاكل المرضية والخلقية كحالات ضيق فتحة البواب في المعدة أو اتساع فتحة الفؤاد في المعدة أو ضيق المريء أو الأسباب التي تعوق دخول الطعام ووصوله إلى الأمعاء أو بسبب الأمراض المزمنة.
انتشار مخيف
أثبتت الدراسات العلمية التي أجرتها المؤسسات الفلسطينية ومنها جمعية ارض الإنسان والجامعة الإسلامية وجامعة الأقصى ووكالة الغوث الدولية وبعض المؤسسات العالمية أن هناك انتشاراً لسوء التغذية وتفاوتت الأرقام في هذه الدراسات ففي بحث أرض الإنسان بلغت النسبة 15% أما في بحث مؤسسة "كي إنترناشونال" وجامعة القدس فقد كانت النسبة تزيد على 25%.
وتعتبر غزة أكثر المناطق تضررا، مقارنة مع الضفة، فحالات سوء التغذية المزمنة والحادة في غزة أعلى من الضفة، ففي الضفة الغربية كانت منطقة الخليل تتفوق على أقرانها في المناطق الأخرى لانتشار سوء التغذية عند الأطفال.. وعلى مستوى العالم ينتشر سوء التغذية بين الأطفال بنسبة مرتفعة في دول عن أخرى على وجه العموم، فتقريباً أكثر من 20% من أطفال العالم مصابون بسوء التغذية، ولكن النسبة تزيد في الدول النامية بحيث تصل النسبة إلى أكثر من 45% في بعض الدول ودول أخرى تصل إلى أكثر من 60% وفي فلسطين المعدلات تـراوح بين 15إلى25%.. وهناك ما يسمى بسوء التغذية الحاد وسوء التغذية المزمن أو ما يسمى بالنحول وهو الذي ينجم عن تعرض الطفل إلى نقص حاد في المدخول الغذائي اليومي، لمدة تصل إلى عدة أسابيع أو أشهر، أما سوء التغذية المزمن فيتعرض الطفل منه إلى نقص التغذية المزمن لمدة طويلة قد تزيد على أشهر أو عدة سنوات مما يؤدي إلى انخفاض في نمو الطفل.
مضاعفات آتية ومستقبلية
وأكد الدكتور الوحيدي أنه على المدى القصير يتأثر نمو الطفل ومناعته من حيث الوزن والطول، وبالتالي يكون الطفل ذو بنية جسدية هزيلة، بالإضافة إلى حصول مضاعفات للمناعة لأن الجسيمات المناعية في أصلها مواد بروتينية يكوّنها الجسم من خلاصة البروتينات، فنقص البروتين يؤدي إلى نقص المناعة، كذلك فقر الدم المزمن يؤدي إلى مشكلات مزمنة في القلب، كما أن تعرض الطفل إلى سوء التغذية يؤدي إلى مشكلات مزمنة في الكبد والكلى في حالات كثيرة، منها حالات تضخم الكبد، ثم تحول الكبد إلى الكبد الدهني، أو ما يعرف بظاهرة "ترسب الدهون في الكبد" وأيضا بطء الأنسجة والأعضاء الأخرى مما يؤدي إلى حالة من الكسل الجسدي، وبالتالي وجود طفل لا يصلح أن يكون طالب مدرسة؛ لأنه على المدى الأبعد سيتأثر الذهن بشكل انتكاسي لا عودة فيه، وبالتالي يكون الطفل أقل من أقرانه في القدرات الذهنية، وهذا يعني أن هذا الطفل يكون في المستقبل جسديا غير قادر على الإنتاج، وذهنيا غير قادر على التعلم والتطور العلمي والدراسي.
الأطفال الأكثر تأثراً
وقال الدكتور الوحيدي أن الأطفال الأقل من خمس سنوات هم الأكثر تأثرا عالمياً وعلمياً، ولكن الأطفال الأقل من ثلاث سنوات يشكلون عنصراً أكبر والأطفال الأقل من عام هم الأشد خطورة، فإذا تغذى الطفل في السنة الأولى بشكل جيد، فهذا قد يعطيه نوعاً من قوة تحمل مشاق سوء التغذية في السنة الثانية والثالثة، بشرط أن تكون محدودة، أما إذا كانت مزمنة فيصعب ذلك.
الأعراض المصاحبة
الطفل المصاب بسوء التغذية قد يكون عدوانياً أو انطوائيا لإحساسه بالضعف وانه دون غيره، ومن ثم ينعكس ذلك على أداء الطفل كنتيجة للإصابة بسوء التغذية، فإذا تعرض الطفل إلى كبت واضطهاد نفسي والى الخوف والرعب والتشتت والتمزق الأسري والظروف الصعبة كما يعيشها أطفالنا في فلسطين تحت وطأة القصف والصواريخ وهدم المنازل وتحطيم البنية النفسية.
فهذا يؤدي إلى وجود أعراض لا تحمد عقباها، ومنها انعدام الشهية تماماً للطعام بما يجعل الطفل غير قادر على الحركة والتفاعل ويصبح خاملاً، ومظهره يميل للشحوب الشديد، وإذا تم فحص الطفل نجد أن مستوى الهيموجلوبين أقل كثيراً من المعدل الطبيعي وأداء القلب يكون ضعيفاً، وكذلك الدماغ لا يحتوي على الكمية المتلائمة من الجليكوز الذي يعتبر الوقود أو الغذاء الحقيقي للمخ، وهذا يؤدي إلى مشكلة حقيقية.
خلال الانتفاضة
من خلال متابعات وإحصاءات في جمعية أرض الإنسان سجلنا زيادة ملحوظة في عدد الحالات.
وأجرينا بحثاً مع مؤسسة إسبانية تعنى بمكافحة الفقر في شهر مارس 2003، وأوضحت نتائجه أن سوء الوضع المادي للأسرة والبطالة وضعف المدخول المادي وتدني الاقتصاد الفلسطيني ساهم إلى حدٍ كبير في عدم تناول الطفل كمية الطعام الكافية في الفترة التي ينبغي أن يتناول فيها الطعام، وقد تأثر جراء ذلك جميع أفراد الأسرة خاصة الأطفال.
الأوضاع النفسية التي يعيشها الطفل
ويؤكد الدكتور الوحيدي أن التأثيرات النفسية لا يمكن تجاهلها في هذا الإطار، فلا يمكن أن نتصور إنسانا حُرم من مصدر الدخل أو طرد من بيته أو دمرت ممتلكاته أن تكون حياته طبيعية، وهذه الأمور بمجملها هي منغصاتٍ ومكدراتٍ للأداء اليومي للإنسان الفلسطيني.
إرشادات وتعليمات
ووجه الدكتور الوحيدي مجموعة من الإرشادات في حالة إصابة الطفل بسوء التغذية قائلاً: إذا ما أصيب الطفل بذلك ينبغي للأسرة أن تواجه الموقف بكل هدوء وأن تستعين بالمؤسسات الطبية والصحية المختصة لاستكمال الموارد الغذائية حتى ولو كانت بسيطة، بحيث يتم استثمارها بشكلٍ جيد لتخفيف الضغط. أما في حال الأم الحامل فعليها أن تكون هادئة وتتغذى جيداً، حتى ولو كان الطعام في نظرها غير جيد ولكن قد يكون محتوياً على عناصر غذائية جيدة تفيد الجنين، وأيضا على الأم المرضع أن تتناول طعاماً جيداً.
طرق الوقاية
وأضاف أنه يجب التزام الأم بجدول الرضاعة الطبيعية وجدول التطعيمات، وإبعاد الأطفال عن مصدر التلوث كالطفيليات والأمراض التي يمكن أن تحدثها البيئة كالإصابة بالديدان أو التعرض للحشرات كالذباب، أو عبث الأطفال في المياه الراكدة، أو الاقتراب من مزارع الدواجن. مع الحرص على تخفيف تكدس الأطفال في مناطق مزدحمة، كما يحدث في الحضانات والرياض والمدارس، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار العديد من الأمراض، وكذلك الظاهرة النفسية العكسية.
منقول