---- سيجارة عند إشارة المرور ----

الأخ ناصر ثابت: السلام عليكم

سألت أحد أكاديميي الأدب عن جواز كتابة ياء "زاكي وشاكي" في آخر القافية في حالتي الرفع والجر فأجابني بأن ذلك جائز، وهذا وافق هوى في نفسي لأن كثيرا ممن لايجيدون قراءة الشعر سيقفون بالتسكين على الكاف إن لم يروا الياء واقفة بلحمها ودمها.. وبناء على هذا أفضل عدم تغييرها.. وجزاك الله خيرا على ملاحظاتك.. أما الرئتان فهاهما مقليتان:

وكـأنـمـا الرئـتـان –لـــو أبصـرتـهـا- *** مقـلـيّـةً كـدجـاجـة "الكنـتـاكـي" !!

أخي الحبيب صالح:

أما ما قدمت من فكر هنا فهو يشهد مجدداً لنفس تقية مؤمنة ترى الحلال حلالاً والحرام حراماً وتنصح الأخوان بصدق المؤمن الحريص.

وجميل أن يوظف المرء موهبته في مثل هذه القضايا الحيوية. أشكر لك ذلك بحق :NJ:

أما ما قدمت هنا من شعر فهو وإن حمل لنا عبقك المميز إلا أنه لم يكن بذات الشذا الفواح الذي عودتنا عليه وأرجو أن لا يزعجك مني هذا الرأي المخلص أخي الحبيب. ولعلي أسوق البيت الأول مثلاً على ما أقصد:

اطفِ السيجارَ.. ففي يديّ سواكي *** وارددْ عــليّ تحيّــةَ الأملاك
"اطف" غير فصيحة والصواب أن تقول "أطفئ" فهذا هو فعل الأمر من أطفأ وهي إذ لا تناسب الوزن أمكنك الاستعاضة بالقول مثلاً "إرمِ" أو "ألقِ" وهكذا.
ثم انظر إلى القول "في يديَّ" والصحيح أن السواك لا يكون عادة إلا في اليد لا في اليدين. كان بإمكانك أن تقول مثلا "في يدي مسواكي".
ثم في العجز تحدثت عن "تحية الأملاك" ولا أحسبك إلا تقصد تحية الملائكة "السلام عليكم" ولكن يا أخي الأملاك هي أحد صيغ الجمع للمَلِكِ لا للمَلَكِ. الملَك يجمع على ملائكة وملائك. والفرق كما ترى كبير كبير. ربما كان الأصوب أن تقول مثلاً:
إرمِ السيجارَ.. ففي يدي مسواكي *** وارددْ عــليّ تحيّــةَ النساكِ

وهكذا....


مهما يكن من أمر فإني أستحثك أخي على تنقيح القصيدة لتكون بذات ألق ما عودتنا عليه من سموق المعنى وجزالة الأسلوب.


تحياتي ومحبتي

د. سمير العمري:

قرأت ملاحظاتك القيمة على عجل بارك الله فيك.. وما يشدني هنا أكثر هو النقد الهادف والتصويبات المخلصة التي تفتقدها كثير من المنتديات والتي مع تنمو الخبرات وتنصقل المواهب..

سأعود إليها لاحقا..

واسلم لمحبّك..

صالح العمري

د.سمير: السلام عليكم

علماء اللغة (خصوصا في الشعر) يتحايلون على الهمزة وحروف العلة عند الجزم وفي الضرورات الشعرية (كما تعلم).. وفي (أطفيء) حذف حرف العلّة ثم تم تحويل الهمزة إلى حرف ياء ثم تمّ حذفه وأُبقيت الكسرة دليلا عليه.. وهذا جائز ومستساغ عند النحاة.. وسأطلب من أحد الأخوة تحرير هذا لنا.. للتأكيد وللفائدة..

وأنا معك في قولك (ارمِ السيجار ففي يدي مسواكي) فهو أقوم وأبعد عن الخلاف وفيه تحرّز من قضيّة المثنى كما تكرمت.. وليت أحد المشرفين يغيرها..

أما بخصوص الأملاك.. فهذا الجمع ورد في أحاديث كثيرة (انظر تفسيري ابن كثير والطبري) منها حديث الرجل الذي قال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا أن يحمد وينبغى له . فقال له رسول الله :والذي نفسي بيده ! لقد ابتدرها عشرة أملاك كلهم حريص على أن يكتبها، فما دروا كيف يكتبونها حتى رفعوها إلى ذي العزة . فقال : اكتبوها كما قال عبدي.. والحديث ضعيف.. لكنه ربما يصلح للإستدلال -مع غيره الكثير- على أن أملاك جمع مَلـَـك.. وليتني أقرأ وجهة نظرك الكريمة في هذا..

جزاك الله خيرا على ملاحظاتك القيمة..

صالح

أيها الحبيب الصالح:

لا أزال عند رأيي ولعل الاستشهاد غير المؤصل هو سبب إثارتي مسألة الضرورة الشعرية في مكان آخر. ولعلي أحدثك بهذا الأمر كما حدث معي.

قرأت رائعتك هذه واستمتعت بها أيما استمتاع شأني مع جل إن لم يكن كل قصائدك ولكن استوقف سليقتي هذين الموضعين ولذا عمدت إلى المعاجم التي هي المرجع لمعاني المفردات فوجدتها وافقت سليقتي وعليه نصحت بما قدمت. أقصد أن السليقة والذائقية هي ما استوقفني وليس البحث العلمي وأما الاستشهاد بمثل هذا فهو لا يعجز أحداً وربما وجدت بعض الاستدلالات الأخرى في بطون كتب الشعر ولكن يتوارد إلينا هذه الأسئلة:

كم مرة وردت فيها هذه المفردة بهذا المبنى وهذا المعنى في اللغة في مقابل ورود المفردة الأخرى "ملائكة أو ملائك"؟
الأجابة أن هذه المفردات وردت بضع مرات مقابل ملايين المرات لتلك. هنا أفضل أن نلتزم القاعدة الساحقة لا الشواذ النادر غير المستقر.

في المقابل كم مرة مردت لفظة "الأملاك" جمعاً للملوك في اللغة؟؟
الجواب عشرات آلاف المرات مقابل مئات آلاف المرات للفظة "الملوك" ، وعليه تكون أكثر التصاقاً بهذا المعنى.

سؤال أخير: هل بالفعل لا أجد لفظة مناسبة للمعنى الذي أريد "فأضطر" إلى هذه اللفظة الغريبة التي لا تتقبلها الذائقة بسهولة؟؟
الجواب أظنه سبق أخي بما اقترحت إليك من لفظة "النساك" فتحيتهم سلام وزهدهم يجعلهم في مرتبة لا تدنو كثيراً عن مكانة الملائكة ، ثم إنني أرى أن تحية النساك هي الأنسب للسياق فهي على الأقل ترد شبهة تزكية النفس وإن كنت لم تقصدها.


تحياتي ومحبتي

د سمير : وعليكم السلام ورحمة الله:

أشاطرك الرأي في قضيّة مراعاة الذائقة كعنصر آخر من عناصر الجمال والسلاسة والإستمتاع في النصّ.. فلا أعتقد أن الشاعر "ولا المتلقّي" يحبّذ أن يُصدم حسّه بلفظة نافرة تصرف الذهن عن المعنى وتشوّش السياق وكأنها مطبّة صناعيّة في طريق سريع.. ولكن بالطبع الأذواق تختلف، وبمثل هذه المداخلات المثمرة تتلاقح الأفكار وترتقي الأذواق معا إلى أعلى المستويات.. وكثيرا ما أتحاور مع بعض الأخوة في ذلك فتجد لهم مبررات قويّة في وجوب إحياء اللغة وبعثها وأن الغرابة هي ناتجة عن غربة الأمة اليوم عن لغتها وابتعادها عن استخدامها في نواحي الحياة المختلفة.. وهو منطق له قوته إن كان في حدود اللغة العربية الفصيحة الجزلة .. لا الشواذ والشوارد...

بخصوص: "الأملاك": لم تثرْ في حسّي غرابة فقبلتها، وكنت أودّ تغييرها إلى النسّاك من أول ما قرأت ملاحظتك ، لكن ردّني أني استخدمت "النسّاك" في القافية لاحقا.. وأنا هنا أطلب منك تغييرها بحكم قدرتك على ذلك مشكورا مأجورا..

أما التزكية وتحيّة الملائكة فالمرجو أن يكون هذا غير مفهوم من السياق.. فالمقصود تحيّة الملائكة لأهل الجنّة التي يحيي بها المسلمون بعضهم بعضا في الدنيا.. أرجو ألا يُفهم من المقام تزكية النفوس لأن التزكية إذن واردة في اللفظتين.. فلسنا من الملائكة ولسنا من النُّساك.. ولكن نسأل الله أن يدخلنا وإياكم برحمته في عباده الصالحين....

جزاك الله خيرا.. ودمت لإخوانك..

أخي صالح .. أيها الحبيب:

تخذلني أحياناً ألفاظي أريد منها معنى فتحمل غيره.

أعتذر إن أوصلت لك حروفي غير ما أردت. أنا والله أحسن الظن بك جداً وأراك خير من نفسي. وما قصدت بكلامي إلا أن أبين أن هذا المعنى قد يحتمل في النص لا عنك.

ثم أخي أشكر لك حسن أدبك وما كان هذا إلا إثراء وملاقحة مع أخ نحبه في الله ونسعى بهذا إلى نشر الفائدة.


دمت نقياً


تحياتي وتقديري