النهضة هي الارتفاع الفكري واما الارتفاع الاقتصادي فانه ليس بنهضة بدليل ان الكويت مرتفعة اقتصاديا اكثر بكثير من دول اوروبا مثل السويد وهولندا ومع ذلك فالسويد وهولندا وبلجيكا ناهضة والكويت ليست ناهضة وكذلك الارتفاع الاخلاقي ليس بنهضة بدليل ان المدينة المنورة اليوم هي اعلى بلدان الدنيا اخلاقا ومع ذلك ليست ناهضة وبدليل ان باريس من احط البلدان اخلاقا ومع ذلك فهي ناهضة، فالنهضة هي الارتفاع الفكري .
غير ان هذه النهضة قد تكون نهضة صحيحة وقد تكون نهضة غير صحيحة فامريكا وروسيا بلاد ناهضة ولكنها نهضة غير صحيحة لان نهضتهم ليست قائمة على اساس روحي اذ النهضة الصحيحة هي الارتفاع الفكري القائم على الاساس الروحي فان لم يكن الارتفاع الفكري قائما على الاساس الروحي فانه يكون نهضة ولكن لا تكون نهضة صحيحة ولا توجد نهضة صحيحة سوى النهضة على اساس الفكرة الاسلامية اي سوى النهضة الاسلامية لانها وحدها ارتفاع فكري قائم على الاساس الروحي .
والطريقة لحصول هذه النهضة هي اقامة الحكم على فكرة لا على انظمة وقوانين واحكام، فاقامة الدولة على قوانين واحكام لايمكن ان تحصل به نهضة بل على العكس هو مخدر عن النهضة ولا يمكن ان تحصل النهضة الا اذا اقيم الحكم والسلطان على فكرة ثم عن هذه الفكرة تنبثق المعالجات اليومية لمشاكل الحياة اي تنبثق الانظمة والقوانين والاحكام، فاوروبا حين نهضت انما نهضت على فكرة فصل الدين عن الدولة والحريات وكذلك امريكا حين نهضت . وروسيا حين نهضت انما نهضت على فكرة هي المادية والتطور المادي فلما أقامت الحكم على هذه الفكرة سنة 1917 نهضت، والعرب حين نهضوا على الفكرة الاسلامية حين جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم رسالة من الله واقام الحكم والسلطان عليها فحصلت النهضة للعرب حين اعتنقوها واقاموا الحكم عليها، وهذا كله دليل قاطع على ان الطريق لحصول النهضة هي اقامة الحكم على فكرة والدليل على ان اقامة الحكم على انظمة وقوانين لا يوجد نهضة ما فعله مصطفى كمال في تركيا فانه اقام الحكم على انظمة وقوانين ليوجد نهضة فقد اخذ الانظمة الغربية والقوانين الغربية واقام الحكم عليها واخذ يطبقها واستطاع ان يطبقها بالفعل عن طريق القوة ولكنه لم يوجد نهضة فلم تنهض تركيا بل انحلت عما كانت عليه وها هي ذي تركيا من احط البلدان في حين ان لينين جاء في نفس الوقت الذي جاء به مصطفى كمال واستطاع لينين ان ينهض روسيا نهضة قوية وها هي ذي اليوم من اقوى دول العالم والسبب في ذلك هو ان لينين اقام الحكم على فكرة هي الفكرة الشيوعية ثم عن هذه الفكرة اخذت تنبثق معالجات المشاكل اليومية اي الانظمة والقوانين، اي اخذ يعالج المشاكل باحكام يأخذها من هذه الفكرة، اي من الفكرة التي اقام عليه الحكم ولذلك نهض لينين في سنة 1917 اقام الحكم في روسيا على فكرة فانهض روسيا ومصطفى كمال في سنة 1924 اقام الحكم على انظمة وقوانين لينهض تركيا فلم ينهضها بل تأخرت الى الوراء وقيام الحكم على هذه الانظمة والقوانين هو الذي حال دون ان تنهض تركيا لانها خدرت به .ثم ان اقرب مثال على ذلك ما قام به جمال عبد الناصر في مصر فانه منذ سنة 1952 اقام الحكم على انظمة وقوانين فاقامة في اول الامر على تغيير نظام الحكم بوضع النظام الجمهوري مكان النظام الملكي وعلى توزيع الاراضي ثم انتقل به الامر على انظمة اشتراكية، مما يسمى اشتراكية الدولة ومضى عليه الان عشرون عاما ولم يوجد اي نهضة بل على العكس مصر اليوم من ناحية فكرية واقتصادية وسياسية احط منها قبل سنة 1952اي قبل انقلاب الضباط ومقارنة اعضاء برلمانها اليوم اي مجلس الامة بين الامس واليوم، والوضع فيها يحول دون النهضة لان اقامة الحكم على الانظمة والقوانين لا يوجد نهضة وانما الذي يوجد النهضة هو فقط اقامة الحكم على فكرة . غير ان اقامة الحكم على فكرة لا تعني القيام بانقلاب عسكري واخذ الحكم واقامته على الفكرة فان هذا لا يوجد نهضة ولا يمكن الثبات في الحكم وانما يعني افهام الامة او الفئة الاقوى في الشعب الفكرة المراد انهاض الامة عليها وجعلها تبني حياتها عليها وتتجه في معترك الحياة على اساس الفكرة وحينئذ يقوم الحكم عن طريق الامة على هذه الفكرة وبذلك تحصل النهضة قطعا . فالاصل في النهضة ليس اخذ الحكم وانما هو جمع الامة على الفكرة وجعلها تتجه في حياتها على هذه الفكرة ثم يؤخذ الحكم ويقام على تلك الفكرة واخذ الحكم ليس غاية ولا يصح ان يكون غاية، وانما هو طريقة للنهضة عن طريق اقامته على الفكرة فهو اخذ ليقام على الفكرة حتى تحصل النهضة . والمثال الصحيح على ذلك ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم فانه حين بعثه الله تعالى برسالة الاسلام دعا الناس الى العقيدة الاسلامية، اي للفكرة ثم لما جمع اهل المدينة الاوس والخزرج على العقيدة الاسلامية، اي على الفكرة وجعلهم يتجهون في حياتهم عليها، اخذ الحكم في المدينة، واقامه على العقيدة الاسلامية، ثم صار يقول"امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله فاذا قالوها عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحقها"اي صار يدعو للفكرة وبذلك حصلت النهضة في المدينة ثم في العرب ثم في كل شعب دخل في الاسلام اي اعتنق الفكرة وكان سلطانه الذي يرعى شؤونه قائما عليها . والامة الاسلامية اليوم في جميع اقطارها، منحطة ولا شك، وهي تحاول النهضة منذ ما يزيد عن مائتي عام، ولم تفلح في النهضة حتى هذه الساعة، والسبب في ذلك هو ان الحكم القائم فيها قائم على اساس انظمة وقوانين، والحكم سواء كان قائما على انظمة غير اسلامية اي انظمة كفر، كما هي الحال في اكثرها ومنها هذا البلد او قائما على انظمة اسلامية واحكام شرعية كما هي الحال في بعض الاقطار وهي قليلة مثل اليمن قبل ثورة السلال، فانها كلها منحطة ولا توجد بها نهضة، والسبب في ذلك هو اقامة الحكم على انظمة وعدم اقامته على فكرة، حتى الانظمة الاسلامية والاحكام الشرعية اذا قام الحكم عليها لا توجد نهضة في الامة، انما الذي يوجد النهضة هو اقامة الحكم على الفكرة الاسلامية اي العقيدة الاسلامية، فاقامة الدولة على لا اله الا الله محمد رسول الله هو الذي يوجد النهضة، اما اقمتها على مذهب ابي حنيفة او على كتاب الطحاوي او على الاحكام الشرعية فانه لا يوجد نهضة مطلقا، لانها تؤخذ كانظمة وقوانين فلا تحدث اي نهضة، وانما يجب ان تقام على لا اله الا الله محمد رسول الله ثم بعد ذلك تؤخذ الاحكام الشرعية باعتبارها اوامر ونواه من الله فيعمل بها لانها امر لله فهي مأخوذة من"لا اله الا الله محمد رسول الله"وبذلك تحصل النهضة .
فالامة الاسلامية اليوم حتى تحصل لها النهضة لا بد ان تجعل العقيدة الاسلامية الاساس الذي تتجه في حياتها عليه، وتقيم الحكم والسلطان عليها ثم تعالج المشاكل اليومية بالاحكام المنبثقة عن هذه العقيدة اي بالاحكام الشرعية بوصفها فقط"اوامر ونواه من الله لا بأي وصف اخر وبذلك ستحصل النهضة قطعا .
بل ستحصل النهضة الصحيحة لا مجرد نهضة وتعود الامة الاسلامية لاقتعاد ذروة المجد واخذ قيادة العالم مرة اخرى .
هذه هي كيفية انهاض الامة الاسلامية اليوم نهضة صحيحة .