أخي العزيز الدكتور سمير العمري.
أولاً الحمد لله على سلامتك , وها أنت رجعت إلينا ــ يا أخي ــ سالماً غانماً بفضل الله , وأهلاً وسهلاً بك في هذا المنتدى العروضي الشامل , الذي آمل أن يكون حوارنا فيه شاملاً لصالح الأجيال القادمة , التي تنتظر منا جميعاً ــ علماً ــ أصولياً , لا ِعلماً بديلاً . لأن العلم البديل لا علاقة بنا به , لأنه لآ يمت بأصول علم العروض إلا التحريف والفكر الذي قد لا يناسب جمهور الشعراء والعروضيين , لا من قريب ولا من بعيد .
أخي العزيز الدكتور سمير العمري ,
تعودت في مناقشاتي أن يكون ردي رداً موضوعياً بعيداً عن التهويل والتغريب , وها أنا أريد أن أتناول موضوعك بجدية , وأتناوله فقرة فقرة , لكي تعرف أولاً سريرة ما أنوي عليه قبل بداية أي محاورة .
تقول لي أخي الدكتور سمير :
(((أشكرك أولا على كل ما قدمت ونطمع دوما بالمزيد ، وأقدر لك مشاعر الأخوية الرقيقة لا عدمتك ، وأحمد الله أنك علمت أن ما حبسني عنك إلا المرض وأنني راغب في أن تزيد من علمك نفع الله بك. ))
ويرد عليك غالب الغول بقوله :
شكراً يا دكتور سمير , وسابذل كل ما في وسعي لتحقيق غايتنا إن شاء الله .
وتقول يا دكتور سمير :
(((أولا .. قلت ولا أزال أكرر بأنني لست عالما مختصا بالعروض ولذا فلست ممن سيدخل في جدل حول عموميات الطرح أو تفصيلاته ليس من عجز فإني أزعم أن عندي بعض بضاعة كافية للحوار ، ولكن لأسباب أخرى سيوضحها ما سيلي من نقاط.))
ويرد عليك غالب الغول بقوله :
أنت من علماء العروض الأصوليين , وننتظر مشاركتك الجادة .)
وتقول يا دكتور سمير :
(((ثانيا .. كنت أشرت في بدايات هذا الحوار أن الذي آمله هو طرح علم العروض بالشكل الذي يخدم الجميع وتدرجا من اليسر إلى الصعوبة ومن العموميات إلى التفصيلات ومن مواطن الاتفاق على الأسس إلى مواطن الخلاف التي تحتاج لرؤية مشتركة أو توافق مناسب. هنا أرى الحوار وكأنه يدخل في صميم جدليات الخلاف في المفاهيم والرؤى والزوايا بين علماء العروض ويقفز على ما نرجو هنا من تعميم الأصول التي تمثل الفائدة الحقيقية للمتابعين من أعضاء وقراء. )))
ويقول غالب الغول:
سنطرح علم العروض طرحاً يخدم الجميع . لنصل إلى تعميم الأصول إن شاء الله .
ثم تقول يا دكتور سمير .
(((ثالثا .. ما أراه حقيقة أن الخلاف الذي نتحدث عنه ما هو إلا وجوده متكاملة من زوايا متعددة للصورة الكلية سواء أكان من حيث المعنى أو من حيث التناول أو من حيث الرؤية والتأويل. بكلمات أخرى لا أجد هناك خلاف يدعو لفرقة بل اختلاف يدعو لتآلف وتواصل وحوار لتمتين الصلة بين كل تلك المنطلقات والوجوه المتعددة لصنعة الشعر العربي بامتيازاته كلها.))))
ويقول غالب الغول :
نعم هناك اختلاف ولا يوجد خلاف , واختلاف لا بد منه , لأن علم العروض الخليلي كامل متكامل بعلله وزحافاته بأسبابه وأوتاده , وألقاب تفاعيله , والذي يستطيع أن يـُلمّ بنظريات أي علم من علوم الفيزياء والكيمياء , فإنه يستطيع أن يلمّ بنظريات العروض أيضاً , ولا يعني هذا منع تطوير هذا العلم , وتهذيبه والنهوض به إلى المستويات العليا . وليس الأمر يتعلق بالرموز أوالأرقام , فهذا شيء لا يضر العروض ولا يضر العروضيين , فإن وضعوا رمزاً جديداً للسبب. وليكن ( س )) مثلاً , فإننا سندرك بأعيننا أن الحرف (س) يعبر عن (السبب الخفيف) أو الثقيل , فليس الأمر هي ( الرموز ) بل هناك ما هو أعظم من ذلك , وبخاصة عندما لا نتقن معنى الرمز , أي عندما نطلق رموز عروضية جديدة أو قديمة لمسميات عروضية خاطئة , هنا يكمن سر الخطر العروضي , كما سنوضحه في حوارنا المقبل .
ويقول الدكتور سمير :
(((رابعا .. من المؤلم بل من المؤسف أن نجد الاهتمام بالعروض على حساب الاهتمام بالشعر الذي هو أساسه وأصله والذي بدونه لا يكون للعروض معنى ولا أهمية.))
ويقول غالب الغول :
ينبغي أن يكون الاهتمام بالشعر والشعراء أولاً . لأنهم الأصل , ثم يأتي العروض لتمييز الغث من السمين من انتاج الشعراء , فعلم الشعر وعلم العروض ومعهما علم الإيقاع , كل منهم متداخل مع الآخر , ولا نستطيع أن نفرق بينها .
ويقول الدكتور سمير العمري :
((( إن تجاهل الشعر هنا على حساب العناية بالعروض هو مما أدعو للوقوف عنده وتأمل الموقف فيه لنجده ليس أمرا خطيرا بل وأمرا غير معقول منطقا وغير مقبول وعيا ورعاية.)))
ويقول غالب الغول :
لم يتعرض العروضيون لإنتاج الشعراء التقليديين قط , وإن حصل مثل ذلك , فإما أن يكون الشاعر يريد التعسف ببحور الخليل ظناً منه أنه اخترع بحراً جديداً , ومن هنا على العروضيين التصدي لمثل هذه المحاولات التي خرجت على نظام عروضنا العربي , أو أن يكون الشاعر قد أخطأ في استعمال ضرب شعري جديد قد خرج عن ذائقة الشعراء , ومن هنا على العروضيين مناقشته لفهم أبعاد هذا التجديد , فإن كان صائباً فهو كذلك , وإن كان شاذا , فينبغي التنويه لذلك .
ويقول الدكتور سمير العمري :
((( لسنا هنا في معرض حديث عن رموز واختلاف في عدد الثواني أو مواضع النبر أو رمز الوتد والسبب أو كل ما شابه ذلك بل في معرض تناول لموسيقى الشعر التي تسمى العروض ومن ذلك يمكن الإدراك أن الذي يجب أن يكون أول وأهم ما يتناوله العروضي هو الشعر وليس رمز العروض وأنا أرى أن الأمر هنا يأتي بشكل معكوس وهو مما يجب أن نتفق على أهمية تصحيحه.)))
ويقول غالب الغول:
قلت قبل قليل , إن الرموز لا تضر شيئاً , إلا إذا خرجت عن نطاق حدودها , وهنا ينبغي التصدي لها .
أما حساب عدد الثواني ومواضع النبر , فهذا شيء آخر , بل هو علم آخر يضيف لعلم العروض لمعة توضيحية لا تجديدية , لأننا لو فهمنا ما يرمي إليه الخليل من ألقاب التفاعيل , لما احتجنا إلى مواضع النبر , ثم لو كان إنشادنا الشعري في هذه الأيام إنشاداً صحيحاً , لما احتجنا إلى إضافات توضيحية , أي أن النبر ومواضعه , ليس هو علم العروض بذاته , بل هو إشارة لتوضيح أو تدوين التفاعيل بطريقة قد تساعد ألقاب التفاعيل في توضيح الإنشاد الصحيح للقصيدة الشعرية , لكي نستطيع أن نفرق بين بحرين مثلاً: (( الكامل والسريع ) وغيرهما . بضرب واحد مشترك وهو (( ضرب الأصلم للسريع , وضرب الأحذ المضمر للكامل بتفعيلة مستفعلن , وهنا نعرف لماذا الخليل , سمى ضرب السريع بالضرب الأصلم , وهذا ليفرقه عن ضرب الكامل بالضرب الأحذ المضمر , وإلا فليس عسيراً على الخليل أن يوحدهما باسم واحد , أما أن يكون أصلماً أو أن يكون أحذاً , ولكنه لم يفعل ذلك , لأن العرب كانت تنشد ضرب السريع إنشاداً مختلفاً تماماً عن ضرب الكامل , ومن هنا أقول ((( لا بد من وجود فكرة توضيحية لمعرفة هذا الفرق , )) وهل يوجد فكرة غير أن يبقى الأصلم أصلماً , ويبقى الأحذ أحذا ً ؟ ولكن كيف ؟ , إذن لا بد من معرفة (النقرة) الإنشادية أو الموسيقية , التي توضح مكان الآختلاف بين الأصلم وألأحذ , وهذه (النقرة القوية ) هي التي أطلقت عليها اسم ( النبر ) .
وبهذه المناسبة أقول : لا نطالب الشاعر بمعرفة ألقاب التفاعيل , كلها أو بعضها , حتى ولا نطالبه بمعرفة الزحافات كلها أو بعضها , لأن فطرته الطبيعية سبقت علم العروض بقرون طويلة , ولكننا نطالب العروضي ــ وليس الشاعر ــ أن يحافظ على الأمانة العلمية العروضية والتي حافظ عليها أجدادنا قروناً طويلة , فلم تجد كتاباً عروضياً واحداً إلا وكُتب تحت التفاعيل لقب التفعيلة , لكي يعرفنا على موضع الزحاف , أو مكان العلة المحذوفة أو الزائدة , وليس من حق العروضيين تجاهل ما أتانا في العروض من ألقاب .
ويقول الدكتور سمير :
(((خامسا .. أجد أن بمثل تلك التصرفات يصنع علماء العروض غربة حقيقية بين المبدع والعروضي سواء أكان من باب اهتمام العروضي بالرموز وتفصيلات العلم اهتماما مجردا ومتقوقعا على ذاته بما لا يستميل إليه جل الشعراء والمبدعين ، أو من باب اعتماد العروضيين على أمثلة قليلة ومحددة من أبيات لشعراء قدامى كببغاوات تكرر ما سبق دون أن تدرك أهمية العنابة والالتفات لإبداعات شعراء المرحلة بتجرد وإنصاف بعيدا عن الضجة الإعلامية وبعيدا عن التأثر النقلي. إن هذه الغربة تفسد كلا الأمرين الشعر والعروض فهل يعي الجميع خطورة هذا؟؟ ))
ويقول غالب الغول:
قلت قبل قليل بأن الشاعر سيبقى في إبداعه , ولا علاقة له بتفاصيل علم العروض , ولا يتحمل مسؤلية أخطاء العروضيين , لأنه سيدهم وله فطرة شعرية تسبق علمهم , لذلك لا نستطيع القول بأن هناك غربة بين الشاعر المبدع , والعروضي . أما الأمثلة الشعرية القليلة والتي قد تكون شاذة ونافرة عن الفطرة الشاعرية , فلا يجب بناء نظرياتنا عليها , بل يجب اسقاطها من قاموس العروض , وأضرب مثالاً على أمثلة كثيرة شاذة جاءت في بحر المضارع وغيره , وهي أن كتب العروض كلها أجمعت , على أن بحر المضارع لم يقل العرب فيه شعراً معروفاً , فمن أين أتت الأمثلة الشعرية في الكتب التقليدية ؟؟ , ثم لماذا لا يستكثر الشعراء من استعمال هذا البحر , والجواب : لما فيه من خلل إيقاعي وزحافات شاذة وقيود صارمة .
ويقول الدكتور سمير العمري :
(((سادسا .. كنت أود شرحا أوسع عن مقصدك أخي الحبيب عن النبر فإني أرى في طرحه وجاهة وأريد حقا أن تتوسع فيه ليكون لنا فيه بعض حوار ذلك أنني وبحكم كتابتي للشعر بلغات أخرى أدرك فيها أهمية النبر في الشعر فإني أريد أن تقوم بشرح هذا فضلا ، ولعلني هنا أتذكر اجتهادات لأخي الأستاذ خشان في مثل هذا من خلال عروضه الرقمي وكذا أمرا راق لي يوما وهو الذي يسميه أخي خشان م/ع وكلا الأمرين معا أجدهما يشرحان جزءا كبيرا من عملية التنغيم والتوزيع الجرسي والموسيقي للأبيات وهذا مستوى عال من التناول أتمنى أن يتم التعاون فيه من أجل خدمة شريحة الشعراء الذين يغيب عنهم هذا الأمر.