السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ها قد انتصف شهر البركات واقترب من نهايته ، وما أسرع ما يمضي رمضان بأوقاته الصافية وخيراته الوافية ، فالحمد لله على ما أكرمنا ببلوغه وقوانا على صيامه وقيامه ، نسأله تعالى أن يتقبله منا ويجعلنا فيه ممن رحمهم وغفر لهم وأعتقهم من النيران .
ومع اقتراب العيد أحببت أن أضع بين أيديكم مقالة كنت قد نشرتها منذ عامين تقريباً سائلاً المولى أن ينفعكم بها ، ولا تنسوني من دعوة صالحة ، وكل عام وأنتم وأحبابكم بخير .
====================
كيف تتجنب التخمة في العيد
يعتبر شهر رمضان الكريم مدرسة مثالية في الإنضباط بمواعيد تناول الطعام والشراب والنوم والاستيقاظ وما يترتب عليها من تغير كبير في كافة النشاطات والعادات الأخرى ، وخاصة لو اتبع الصائم السنن والآداب الواردة فيه كالإفطار على تمرات وماء والإعتدال في تناول الطعام وتناول وجبة السحور قبل الفجر ، وأداء سنة قيام الليل ، وغيرها .... ، ورمضان بذلك يؤمن للصائم محطة سنوية يتم فيها إراحة ومعايرة وتنقية كافة أعضاء وأجهزة الجسم وعلى الأخص الجهاز الهضمي ، وذلك فضلاً عن الفوائد الروحية والنفسية والإجتماعية الراقية لهذا الشهر العظيم الذي أكرمنا الله به .
يخرج الصائم بعد ذلك في حيوية ونشاط وسكينة ليستقبل فرحا أيام عيد الفطر المبارك حيث يحدث تغير كبير في مواعيد الطعام ونوعيته وكميته ، فالزيارات كثيرة والشهية كبيرة والأطعمة وفيرة والحلوى مثيرة ، وكلٌ يريده أن يتذوق طعامه وشرابه وصاحبنا لا يردّ أحداً .
في الأحوال العادية تعطي المعدة الممتلئة إحساساً بالشبع ويفترض أن يستجيب الإنسان بالتوقف عن تناول الطعام وتبدأ المعدة بأداء مهمتها لتنتهي خلال سويعات قليلة بتفريغ الطعام المعد للمرحلة التالية من الهضم في الأمعاء ، ولكن صاحبنا يستمر في الزيارات وارتياد المطاعم وتناول الحلوى والوجبات السريعة والمشروبات الغازية والقهوة والشاي ، فلا تكاد المعدة المسكينة - التي خرجت للتو من شهر الراحة واعتادت فيه على النظام - تفرغ قليلا من محتواها عبر البواب حتى تفاجأ بكمية أكبر تهبط عليها من فتحة الفؤاد ، وبما أن الإحساس بالشبع لم يعد ينفع مع صاحبنا فهنا تعطيه المعدة شعوراً أقوى بالإمتلاء وأن عليه التوقف عن إدخال أي لقمة . ولكن هيهات فالإغراءات والعادات الإجتماعية والخجل قد تتغلب عند البعض عن الإرادة ومنهم صاحبنا الذي ظن أن ساعة أو ساعتين منذ تناول آخر وجبة كانت كافية للهضم فيأكل المزيد ، وهنا تعلن المعدة تمردها على العقل الذي لم يستجب لإشاراتها ولم يراع ظروفها ، فيشعر صاحبنا بألم المعدة والحرقة وإنتفاخ البطن والغثيان والإعياء ، لقد أصيب بالتخمة الشديدة وعسر الهضم وربما تطورت الأعراض لمزيد من الألم الذي قد يمتد لأسفل القص والإحساس بالحرارة وأحيانا القشعريرة ومزيد من الإعياء ، وربما ينتهي الأمر بالتقيؤ الشديد ، ويكمل صاحبنا بقية اليوم أو العيد في المستشفى وهو ممنوع من الطعام ، وبأمر الأطباء هذه المرة .
ومن المفيد التنويه هنا لنقطة هامة : إن الذبحة الصدرية وإحتشاء العضلة القلبية (الجلطة) قد تتظاهر بألم في الناحية الشرسوفية (ناحية المعدة) أعلى البطن ، أو أسفل القص ، كما قد تترافق بالغثيان والإقياء وقد يرافق ذلك تناول الوجبات الثقيلة . لذلك وفي جميع الأحوال على المريض الذي يشعر بشيء من هذه الأعراض أن يقوم بمراجعة أقرب مستشفى لطلب النصيحة الطبية .
وللوقاية من الإصابة بعسر الهضم والتخمة في العيد أقدم لك النصائح التالية :
· تناول إفطاراً خفيفاً قبل الخروج لصلاة العيد ، للتعويض عن وجبة السحور التي اعتدت عليها في رمضان فتعطيك الحريرات اللازمة لبداية نشيطة في أول أيام العيد .
· لا تأكل بسرعة وامضغ الطعام جيداً ، فهذه هي المرحلة الأولى في الهضم .
· تجنب قدر الإمكان الوجبات السريعة وإن لم يكن بد منها فاعتبرها وجبة كاملة وليست إضافة بين الوجبات ، ولا تنس النصيحة السابقة .
· الأشربة الغازية ليست مهضمة وهي تحوي نسبة عالية من السكريات وتطلق كمية كبيرة من الغازات .
· لا تملأ معدتك بالطعام . توقف عند شعورك بالإكتفاء وقبل الشبع .
· أترك فترة زمنية كافية بين الوجبات لإعطاء المعدة الوقت الكافي للتفريغ الكامل ، وأفضل معيار في ذلك هو شعورك بالجوع . وإذا قمت بزيارات متعددة للأهل والأصدقاء فاجعل بينها وقتا كافياً أيضاً وحاول أن توقتها عند الوجبات وبذلك يكون طعام الضيافة هو وجبتك الحالية .
· بعد الوجبات مباشرة تجنب القيام بجهد عضلي شديد ، فذلك يوجه معظم التروية الدموية نحو العضلات ويقلل منها في المعدة مما يساهم في إحداث عسر الهضم .
· الأطفال قد يصابون بعوارض التخمة وعسر الهضم أيضاً ، فيجب الإنتباه لهم كذلك .
وأخيراً أتمنى لكم صوماً متقبلاً وعيداً سعيداً وعافيةً تامةً .
قال الله تعالى { ... وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } صدق الله العظيم
د.مازن لبابيدي