أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: العيون الساهرة في رحاب القصة الشاعرة

  1. #1
    الصورة الرمزية محمد الشحات محمد شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Sep 2007
    الدولة : القاهرة
    المشاركات : 1,100
    المواضيع : 103
    الردود : 1100
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي العيون الساهرة في رحاب القصة الشاعرة




    العيون الساهرة
    في رحاب القصة الشاعرة

    الشاعر الناقد الأدبي والمسرحي
    د. بيومي الشيمي

    مقدمة :

    في بداية دراستي ، أود أن أوضح أنني هنا أستعرض جنسا جديدا من أجناس الأدب العربي ، خرج من أعماق أجناس أخرى ، ولم أفكر في أن تكون دراسة نقدية لأي نص من النصوص التي بين يدي ، لأنني أحاول أن أضع النقاط فوق الحروف لتكتمل الصورة وتتضح الرؤية لهذا الفن الجديد ، الذي بدأ في الانتشار ، كما تنتشر النار في الهشيم ، حيث تناوله العديد من الأدباء ، وكان رائد هذا الفن ومنشأه الأديب الشاعر المبدع محمد الشحات محمد رئيس مجلس إدارة جمعية دار النسر الأدبية.

    التطور سمة الحياة:
    منذ نشأة البشرية ، ووجود الإنسان على ظهر البرية ، هناك تطور مستمر ملحوظ ، نتيجة للظروف الطبيعية المتغيرة ، والمتغايرة ، وإعمال العقل للتفكير ، والتجارب المتواصلة ، مع تراكم الخبرات ؛ مما يزيد الحياة تقدما وتطورا.
    ولو رجعنا إلى الدنيا يوم أنزل الله أدم على سطح الأرض ، وطفنا بها إلى يومنا هذا ، ورصدنا ما حدث فيها من تغيرات ، وأعملنا العقل فيما آلت إليه يوما بعد يوم ، وشهرا بعد شهر ، وسنة بعد سنة ؛ لرأينا تطورا ملموسا محسوسا ، كان يسير بخطى تزداد سرعتها ، مع تقدم الزمن ، ونرى أنه خلال القرن العشرين قد ازدادت سرعة هذا التطور ؛ حتى أن الإنسان يجد صعوبة في ملاحقتها.

    تطور الأدب العربي:
    لو تتبعنا مسيرة الأدب العربي منذ نشأته حتى يومنا هذا ؛ لوجدنا أنه يتطور تطورا متناميا ، وأنه قد تفرع إلى عدة فروع ، وأجناس مختلفة ، فنجد أن هناك من هذه الأجناس : الشعر ، والقصة ، والرواية ، والمقال ، والمسرحية ، وغيرها ؛ كما نجد أن لكل جنس من هذه الأجناس مسيرته وتطوره ، فالشعر بدأ تقليديا يسير على نظام الشطرين ، ثم تطور – دون المساس بالأصل – لينتقل إلى شعر التفعيلة الذي يعتمد على السطر الشعري غير محدد بعدد معين من التفعيلات ، ثم انتقل لمرحلة الحداثة فقصيدة النثر ، وهكذا. وهذا كله لم يأتِ من فراغ ، بل نتيجة لمجموعة التفاعلات المتشابكة والمختلفة بين كل الفنون والآداب ، وغيرها من العلوم الاجتماعية : من سياسة ، واقتصاد ، واجتماع ن وفلسفة ، وغيرها ، وبين متغيرات البيئة المختلفة ؛ مما أفرز مجموعة من المدارس الشعرية التي بدأت بالتقليدية ، وتلاها مجموعة من المدارس منها الرومانسية ، ومدرسة المهجر ، والديوان ، والعديد من المدارس ليتوافق هذا مع تطور الحياة المضطرد.

    وخلال هذه المسيرة امتزج الشعر مع القصة ليكون مزيجا منهما ، أطلق عليه الشعر القصصي ، أو القصص الشعري، وكذلك تشابكت المسرحية مع الشعر لنرى المسرحية الشعرية ؛ وإن كان تطور الأخيرة لا يسير بنفس سرعة العصر الذي نعيشه.

    القصة الشاعرة :
    في السنوات الأخيرة لاح على الأفق شمس لجنس جديد ، نتج عن انصهار تام بين القصة القصيرة وبين شعر التفعيلة ، وهذا الفن بعيد كل البعد عن الشعر القصصي ، أو القصص الشعري ، فهو منهاج جديد ، له مميزاته الخاصة ، وله تفرده المشهود ، يسير بخطى وئيدة على درب الأدب العربي إلى جانب الأجناس الأخرى ، وأضحى له مريدوه من المبدعين الكتاب ، والنقاد ، وكذلك له من يهاجمونه غير مقتنعين به ، مثل أي جنس جديد ؛ فهل يا ترى سيستمر هذا الجنس على درب الحياة الأدبية ؟

    موقفي من القصة الشاعرة :
    أنا هنا لست في موضع المؤيد ، أو موقع المهاجم ، بل إنني أنظر إلى هذا الجنس بنظرة محايدة ؛ حتى أستطيع أن أراه بوضوح ، وأستطيع تقييمه ، وكي أقدمه لكم بأسلوب سلس واضح لا لبس فيه.
    لقد وضع حجر الأساس لهذا الجنس ألدبي الجديد الأديب الشاعر المتمكن محمد الشحات ، وهو واحد ممن يملأون الحركة الشعرية رواجا ، وقد سار على نهجه ، ومن خلفه مجموعة من المبدعين المصريين والعرب ، ومن أهمهم : الشاعر الدكتور خالد البوهي ، والشاعر أحمد السرساوي من مصر ، ومن خارج مصر الشاعر صالح طه من أريتريا ، والشاعرة ريمة الخاني من سورية ، والشاعر صراط علي من الجزائر ، والعديد من المبدعين من بعض الأقطار العربية. وقد أطلق المبدع محمد الشحات اسم " القصة الشاعرة " على هذا الجنس الأدبي الجديد ؛ حتى لا يختلط الأمر فيما بينها وبين الشعر القصصي ، أو القصص الشعري. وفي رأيي أن يترك اختيار الاسم على المبدعين الحضور بالمؤتمر العربي الأول للقصة الشاعرة ، وموعده ليس ببعيد.

    تعريف القصة الشاعرة :
    هو حدث ؛ يمثل انصهارا تاما بين كل من تقنيات القصة القصيرة ، وتقنيات شعر التفعيلة ، من خلال قواعد النحو والصرف ، ولكنه ليس بالقصة القصيرة ، ولا هو بالشعر ، بل هو شكل جديد يتمتع بالأصالة بالرغم من حداثته. ويتمتع فيه النص بإيقاع هامس ، وموسيقا دافئة معبرة عما يجيش بصدر المبدع ، وما يحويه المتلقي ، وذلك من خلال نفس شعري طويل ومتصل ، مع وجود التدوير العروضي ، مع امتزاج النص بخصائص القصة القصيرة ، من دراما قصصية تخرج من ثنايا العمل الأدبي ، وتكون منصهرة معه.

    ومن هنا فإن هذا الجنس الجديد يدب بجذوره إلى أعماق الأدب العربي ، من خلال شقيه الرئيسين ، الشعر الذي هم ديوان العرب ، والقصة القصيرة التي تعتبر ضمير الحياة اليومية في عالمنا العربي، أي أنه يمتد إلى قرون من الأصالة.
    وهذا الفن الجديد يعتمد بصورة أساسية على التكثيف ، وانتقاء المفردة التي تعبر عما يراه المبدع ، وتصل إلى المتلقي ، كلٌّ بمعنى يختلف حيث رؤيته للنص المقروء ، أي أنه يحمل العديد من الري ، والصور والأخيلة المتعددة.
    وتهتم القصة الشاعرة باختيار المفردات والتراكيب ، والإيقاعات الداخلية ، وكذلك الخيال الجموح ، بشرط الترتيب السردي ؛ بالرغم من وجود الرمز بها.
    وهذا الجنس الأدبي الجديد يعتمد على عدة مرتكزات هامة ، هي التي تؤصله ، وتجعله في مصاف الأجناس الأخرى الأكثر استخداما ، وأهم هذه المرتكزات هي :

    § الالتزام بموسيقا الشعر:

    هذا الفن يعتمد بصورة أساسية على التفعيلة ، وهي لازمة لبناء فني سليم ، حيث يعتمد في بنائه على تفعيلة واحدة تتكرر ، وتستمر حتى الانتهاء من النص ، أي أن النص دفقة شعورية واحدة ، وهذا يتطلب من المبدع النفس الطويل. ومن هنا فهذا الفن يعتمد على البحور الصافية فقط ، ويبتعد عن البحور المركبة ، ولا يجوز المزج فيه بين تفعيلات بحرين صافيين ، أو أكثر ، لأن هذا لن يحافظ بأي حال من الأحوال على التدوير الشعري. وتعامل التفعيلة معاملة المفردة ، حيث يكون لها دلالات معنوية ، ومادية ، سواء في اختيارها ، أو فيما تحمله من أثر إيقاعي ، وكذلك طبيعة الموضوع الذي يعالجه النص ، حيث أن المفردة لها معانٍ غير معانيها في المعاجم ، وتختلف عن التورية في اللغة ، التي تعني فيها المفردة عدة معاني ، ولكن يقصد المعنى البعيد لا القريب.

    § التدوير الشعري (العروضي) :

    يحتاج النص في القصة الشاعرة إلى اتصال التفعيلات ؛ دون انقطاع حتى الانتهاء من النص ، أي اتصال النفس الشعري ، وهذا يدل على أمرين ، أولاهما : هو قدرة المبدع على الأخذ بتقنيات كل من القصة القصيرة والشعر دون الوقوع في الزلل ، وكذلك قدرته على النفس الطويل حتى ينتهي من إيداع كل ما داخله بالنص ، وثانيهما هو الدلالة على تماسك النص ،وعدم ترهله ، أو هشاشته. وهذا التدوير الشعري يتطلب لاستغناء عن القوافي ، وعدم وجود تسكين بالنص على الإطلاق إلا عند الضرورة واللزوم ، هذا في النص المكتوب باللغة العربية ، أما إذا كان النص مكتوبا بإحدى اللهجات النابعة من اللغة ، مثل العامية المصرية ، أو النبطية أو غيرها ، فالتسكين فيها لا يعتبر خطأً لغويا ، ومن هنا فإن الموسيقا الشعرية فيها لا يتخللها أي خطأ ناتج عن هذا التسكين. والتدوير العروضي هام في هذا الفن لما يلي :
    o هو ضروري حتى لا ينقطع التواصل ، واستقبال الدفقة الشعورية ، والصور والأخيلة لدى المتلقي.
    o أن النص دفقة شعورية واحدة ، بمعنى أنها سطر شعري واحد ؛ ينتهي بانتهاء الغرض المكتوب من أجله ، وبالتالي لا يجوز أي تسكين إلا إذا كان ضروريا ، كحالة الجزم.
    o أن التدوير الشعري هو أحد العوامل التي تفرق بين القصة الشاعرة ، وبين أي جنس أخر.
    o انه دلالة على طول نفس المبدع موسيقيا ، وكذلك شعريا ، وقصصيا.
    o أنه يمكِّن من كتابة القصة الشاعرة على شكلين ، إما على هيئة شعر التفعيلة ؛ أي على هيئة السطور الشعرية ، أو على هيئة القصة القصيرة ؛ أي على هيئة جمل متجاورة ، يفصل بينها علامات الترقيم ، والفضاءات البصرية.
    o
    § التدوير القصصي :
    وهذا يعني تدوير الموضوع ، أي اتصاله دون انقطاع ، حتى يكون الموضوع مترابطا ، متماسكا ، وهذا يعني عدم وجود جمل أو مفردات زائدة لا تفيد الموضوع ، أي أن حذفها لا يؤثر على موضوع النص ، وبالتالي فهذا يحقق الوحدة العضوية له ، وهذا يشير إلى دور المبدع الهام في انتقاء المفردات التي لا نستطيع أن نضع لها بديلا ، واختيار الجمل التي لا يتكرر معناها ، مما يفيد أيضا في تناسق وترابط النص.
    § الرمز :
    يعتبر الرمز شرطا أساسيا من شروط القصة الشاعرة ، لأنه ضروري لأن يجعل من التدوير قناعا شاملا ، يربط النص ، ويجعله كتلة فنية واحدة حية لا تنفصم ، ونؤكد أن الرمز هام جدا للتدوير القصصي الذي لا يتحقق بدون الترابط والتماسك الذي يخلقهما القناع الشامل للنص. ومن هنا فعدم وجود الرمز ، يؤدي إلى اختفاء التدوير القصصي ، حتى إن كان التدوير الشعري ثوبا رائعا للنص.
    § الهوية والوطن :
    الشئ الغالب على القصة الشاعرة هو اعتبار الحفاظ على الهوية ، والتأكيد عليها ، هو اللازمة لغالبية النصوص ، حيث أن ذلك يؤكد خصوصية القصة الشاعرة الواضحة ، مما يجعلها جنسا مميزا عن باقي الأجناس الأدبية. وكذلك الوطن الذي هو بمثابة الحياة لدى المبدع في هذا الجنس الأدبي ، فنجد أن النص يتشبع بالوطن أيا كان موضوع النص.
    وأنا أرى أن هذا لا يجب أن يكون شرطا أساسيا للقصة الشاعرة ؛ وإلا لفرغت مما تصبو إليه ؛ لأنها يجب أن توظف أحداث الحياة بحلوها ومرها ؛ حتى تساير دائما مقتضيات الأمور في عصرنا المتسارع ، كثير التوقعات والتفاعلات.
    § علامات الترقيم :
    وهي هامة جدا في لغتنا العربية ، لأنها دائما تضيف إلى النص ، وما من علامة منها إلا ولها وظيفة هامة ؛ حتى لا يصبح النص مهلهلا ن وتختلط فيه الجمل ، وبالتالي تختلط المعاني على المتلقي ، وتعتبر هذه العلامات وكذلك الفضاءات البصرية من أهم أساليب التطوير في مجال الكتابة الإبداعية ، خاصة في مجال القصة الشاعرة ؛ لأنها تخلق إيقاعا بنائيا متماسكا. وهي تتكون من :


    - علامات معنى :
    تتمثل في الفاصلة ، والفاصلة المنقوطة ، وعلامات الاستفهام والتعجب ، والأقواس ، وعلامتي التنصيص ، والنقطتين العموديتين ، وهي علامات توضيحية تفسيرية ، لا تدل على الوقف أو السكوت عليها أثناء قراءة النص.
    - علامات زمنية :
    تفيد السكوت أثناء قراءة النص ، مما يدل على مرور فترة زمنية قصيرة جدا، وهي نوعان:
    · نقاط أفقية : قد تكوننقطتين أو أكثر ، وهي تمثل سكتة خفيفة ، يلتقط خلالها القارئ أنفاسه ، دون توقف ، أي عدم تسكين الحرف التي قبلها دون لزوم لذلك ، ومدة الوقف تكون حسب النقط التي يضيفها المبدع.
    · الفضاء البصري : هي وقفة طويلة نسبيا عن النقط الأفقية ، وتكون أيضا بدون تسكين.
    · علامة القطع : هي علامة وحيدة ، لا تستخدم في القصة الشاعرة سوى في مكان واحد ، هو نهاية النص ؛ إنها النقطة ، التي لا تأتي في قلب النص إلا نادرا لتوضيح المعنى ، مما يتطلب من المبدع حرفية عالية حتى لا يقع في خطأ قطع التدوير القصصي وإفساده. والمبدع لا يستخدمها في نصه للدلالة على استمرارية الحدث.

    من هذا المنطلق نؤكد على أهمية علامات الترقيم ، وأهمية الفضاءات البصرية ، التي تضيف كثيرا للنص. ومن الممكن أن تكون أي علامة من هذه العلامات مفرقة بين جنسين أدبيين.

    وإلى جانب هذه المرتكزات التي ذكرناها ، فإن القصة الشاعرة تهتم ببعض الدلالات ، مثل دلالات الألوان ، ونمط الكتابة ، وحجم الخط ، ونوعه ، لأنها تعطي دلالات أخرى غير ما تم ذكرها في السطور السابقة.
    وقد تنفجر دلالات أخرى تعتمد على أحد أو جزء ، أو كل من العناصر التي تغوص بها القصة الشاعرة ، مثل التشكيل الصوتي ، أو التكثيف ، واختيار الألفاظ الموحية ، أو المفردات المتقاربة أو المتباعدة ، مع استخدام علامات الترقيم الصحيحة ، كل في موقعها الصحيح ، وكلك علامات الإعراب ، وغير ذلك.
    هناك بعض الدلالات الأخرى التي قد يضعها المبدع للدلالة على غير معناها الحقيقي ونستعرض هنا اثنتين منها ، وسوف أستدل عليهما من بعض نصوص المبدع محمد الشحات محمد :
    1- أسماء سور القرآن الكريم : اتخذ محمد الشحات محمد من السور القرآنية دلالات موضوعية ، وقام بتوظيفها في أعماله بحرفية عالية ؛ بحيث تضيف للنص إضــافات متميزة ، ففي " بوسي والباب الأزرق " من مجموعته " الموج الساخن " نجده يذكر اســـم " البقرة " ، و " الزخرف " ، ففي سورة " البقرة " استدلال على لجوئه إليها لتحميه من أعدائه في الداخل والخارج ، أما في سورة " الزخرف " فهي رقية تحميه ، وتحمي هويته العربية ؛ لأنها أيضا هوية كل عربي ، بل كل مسلم. وهناك أيضا دلالات لسور أخرى مثل سورة " الإسراء " في نصه " مرثية للخط الأحمر " ، وسورة " غافر " في نصه " ثوب ومثوبة " وغيرها. هكذا يتعامل مع أسماء سور القرآن كدلالات ، وحين كدلالات فإنه يكتبها في سياق النص دونما أقواس ، أما إذا استخدمها كاسم للسورة ، فهو يضعها بين علامتي تنصيص كذكره اسم سورة " آل عمران " في نصه " دُقَّت الكلمات ".
    2- الألوان : استخدم المبدع محمد الشحات محمد الألوان استخداما جيدا ليستدل بها على دلالات مقصودة ، ويستوحي هذه الدلالات من التراث ، أو من البيئة المحيطة ، فنجد ه قد اسـتخدم اللون الأزرق في نصه " بوسي والباب الأزرق " ، ليدلل على الضياع ، حيث أن استخدام اللون الأزرق يدل على هذا من خلال البيئة المحيطة ، حيث يقال : " نهار أزرق زي النيلة " أو يقال " يا نهار أزرق ومهبب " على كل ماهو سئ أو به شر ، وكذلك استخدامه لنفس اللون في نصه : " ثوب ومثوبة " للدلالة أيضا على الشر. كما استخدم اللون الأخضر في كل من نصيه " عصرنة اللون الأخضر " , و " ثوب ومثوبة " للدلالة على الخير وهكذا.


    والجدير بالذكر أنه من الممكن أن يضع المبدع مفتتحا ، أو مختتما في بداية النص أو نهايته من نفس الجنس الأدبي ، أو من جنس أدبي أخر.

    الفرق بين القصة الشاعرة والقصة القصيرة:
    في السطور التالية أعرض بعض الفروق بين القصة الشاعرة والقصة القصيرة :
    الدفقة الشعورية : هي في القصة الشاعرة دفقة شعورية واحدة ليس بها أي توقف. أما في القصة القصيرة فمن الممكن أن تكون الدفقة الشعورية قد تكون واحدة ، أو نوبات متلاحقة حسب أفكار القصة ومضمونها.
    التدوير الشعري : نجد أن التدوير الشعري مهم جدا ، وشرط ضروري للقصة الشاعرة ، أما بالنسبة للقصة القصيرة فلا وجود لها.
    الرمز : هو شرط أساسي في القصة الشاعرة ، أما في القصة القصيرة الأصل فيها عدم التعامل بالرمز ، ولكن يجوز أن يتعامل المبدع بالرمز حال الضرورة.
    موسيقا الشعر: لا تتعامل القصة القصيرة بموسيقا الشعر ، بينما القصة الشاعرة تشترط موسيقا الشعر في كتابة نصوصها.
    الشكل : القصة الشاعرة تعتمد على دفقة شعورية واحدة ، أي سطر شعري واحد ، وبلغة القصة فقرة واحدة ، بينما القصة القصيرة قد تكون فقرة واحدة (دفقة واحدة) أو عدة فقرات.

    الفرق بين القصة الشاعرة وشعر التفعيلة:
    أضع هنا مقارنة بين القصة الشاعرة وبين شعر التفعيلة ، وهذه المقارنة أضعها لتقارب الفنين ، وخوفا أن يلتبس الأمر على المتلقي ، وأهم فروق هذه المقارنة تتمثل في الآتي:
    الدفقة الشعورية : نجد أنها في قصيدة شعر التفعيلة متموجة ، أي أنها تأتي في موجات متتالية ، تنتهي كل موجة منها ، بانتهاء السطر الشعري ، أو بانتهاء عدة أسطر شعرية ، أما الدفقة الشعورية في القصة الشاعرة ، فهي دفقة ذات موجة واحدة تبدأ ببدءها ، وتنتهي بنهاية النص.
    عناصر القصة القصيرة: بالنسبة لشعر التفعيلة قد يكون هناك شكل قصصي ، يتطلب وجود بعض أو كل عناصر القصة القصيرة ، وقد لا يكون هناك مزيج قصصي ، فلا يتطلب ذلك وجود أي عناصر للقصة القصيرة ، أما القصة الشاعرة فإنه يتحتم وجوب وجود عناصر القصة القصيرة ، وإلا ينتفي عنها الانتساب إلى هذا الجنس الأدبي.
    شكل الكتابة : يكتب شعر التفعيلة على شكل أسطر شعرية متتالية ، تكتب وتنسق في سطور أسفل بعضها البعض ، ولا يمكن أن يتم كتابتها في جمل متجاورة ، لأن ذلك قد يؤدي إلى كسر في الميزان الموسيقي للشعر. أما القصة الشاعرة فمن الممكن أن تكتب على أحد الشكلين ؛ أولاهما : هو أن تكتب على شكل جمل متجاورة ، لا يفصلها سوى إحدى علامات الترقيم ، أو الفضاءات البصرية ، أو أن تكتب على أسطر أسفل بعضها البعض ، على هيئة شعر التفعيلة ، لكن دون كسر ، مع أخذ التدوير الشعري والقصصي في النص.
    فروق أخرى : هناك العديد من الفروق الأخرى بين القصة الشاعرة ، وبين شعر التفعيلة. فنجد أنه لابد من توافر بعض التقنيات في القصة الشاعرة مثل : السرد ، والزمان ، والمكان ، ولحظات التنوير ، وعناصر القصة القصيرة كاملة ، بينما نجد أن شعر التفعيلة لا يبحث في هذه العناصر والفروق ، قد يوجد بعضها أو كلها ، ولكن ليس من المهم تواجدها.

    وفي نهاية هذه الأطروحة أضع أمام القارئ بعضا من الإبداعات (نص لكل مبدع) في " القصة الشاعرة " لبعض المبدعين ، وعلى المتلقي أن يضعها في ميزان نقده الشخصي ، وفقا للمعايير التي ذكرناها سابقا.
    محمد الشحات محمد :
    يوم العيد
    بينما العيد يناديه ابتهال ..، ظل يدعو رغم أجساد التلاشي ..، صاحت الصافات من عطر الجواري واحتباس الفرد شوقا للمثنى ..، فجأة عادت أراجيح الهوى تجري حوارا فوضويا ، سمع المأمون يدعوه يصلي ..، كان في أول صف شاهدا ..، ما قدروه الحق ، فاقتات الخلايا ..، دون برواز تلوى ..، عرف الصبار إليهم ..، فتح المعجم حتى شاهد الصافات ..، حيا راح يسعى.
    د.خالد البوهي :
    إرهاب:
    نضب الأكل بطبق الفول " المتهالك " ..، هل تمتد الأيدي قبلي ..، أم أنتظر الآتي من عولمة كانت دوما ترصدني ..، وتعد حبيبات القمح المتبخر ..، تعلن حرب الزيت ، وتعلن في المستقبل حرب الماء ؛ وحرب النفس ..، تمثل في جثث الأطفال – ونحن نغني في أعياد طفولتنا – لكني مازلت وحيدا أبكي بجوار مخازن تموين الزيت الموتور ، وأقرأ باللغة الأخرى أن هذي منطقة نفوذ للإرهاب الثاني.

    د. بيومي الشيمي :
    الدائرة
    دقت عقارب ساعتي ، سقطت جميعا غير هذا المنتهي في حضن أوردتي ، تسمر صارخا : " قل لي بربك ما كتبت الآن في قلب الهوى ؟ " ، ثارت مدارك شقوتي ؛ لكنني قررت شيئا غامضا ، فسألتني ، لا .. لم أسل ، وهنا تألق فجأة صوت الثرى : " تحيا الشواهد في مداخل فجرنا ... يا سكرنا " ، فتفجر الصوت الرخيم معارضا ، خرجت قرون العقربين ..، تناطحا ، صارا عزيزا دونه امرأة تراود عقربا حيث انتهت.

    أحمد السرساوي :
    فتح
    أغلق النافذة الصغرى ..، تولى أمرة الجيش فأهدى كل جندي سرايا من بقايا الحق حتى شهد الناس بعدل يشتهي فجرا ليحيا النور ..، ظل المارد القائد يشدو .. خلفه حجرته تسمع نبضات ، ترد الفرقة الآن بصوت تراءى فجأة يعلن أن القمر الغائب يشكو الليل من دسترة الحق بألوان توالت نغما ، يرفض تصوير الشبابيك بعين القهر إيمانا بتوحيد التراتيل ، فعاد الصمت حيا ، ينبش الأوراق حول الجسد القابع تحويه الصحاري ..، دقت ساعة بدر ..، حلق المارد شوقا .. سمع الحلم يغني خلف أبواب يواريها مع الحلق براءات اختراع تفتدي أسلحة للغيب .. تتلو سورة الرحمن في عسكرة الشوق .. تمادى ربع قرن ، بينما الجدران ثارت .. قرر السجدة في القدس ونادى ليلة فيها ارتوت كل السرايا من (سواقي اللبن) الغائر قسرا ..، بايعت أفدنة الأوراق غصنا مستجدا .. راح يهديه عناقيد سلام ، فانحنى ضوء المرايا ، أسدل الآن ستار البحر فوق المسرح العائم ..، صلى من جديد ..، أشرقت شمس ..، تدلى سقف قيس يرتجي عفو ليلى ..، فتح النافذة الأولى .. تجلى.

    صالح طه – أريتريا :
    غدير
    " غدير " قد رأت - ليلا – صغيرا قد بكى ..، أشفقت قالت من ترى أبكاك قل لي .. كفكفت من دمعه ، تاقت له ، سقته من ماء عطوف ، أغرقته ، وحينها كم يشتهي الظمآن مما قد رأى ، ويقول يا ليت الصغير أكونه .. يا ليتني .. يا ليتني.

    صراط علي – الجزائر :
    أحجية ومسنجر
    حين تأكد رجل المطر الساخن أن الوجه القادم لا يعرفه .. لم يسبق أن ساده صمت فاقترب رويدا .. نظر محمد من أبهى منطقة ينطق وجها يرسم فيه قلبا أحمر في فمه ..، يصرف نظرا وحياء المشتاق لصوت ..، حين ابتسم احترقت ميسرة الصدر ، وهمت جبهته لدفاع الخطإ الجوي المتعمد ، وانتفضت ثانية تبكي مقتل جزء منه ، وتسحب أشلاء ضحاياه ، ولثالثة إنزال أخر في بحر تعقله انطلقت لتواجه من بعد البسمة قوة ضحكته .. تدمير هائل في شطآن البوح ..، تأكد ذلك من نشرة أخبار الجسم ..، فاهتز بسلمه " رختر " ..، قالت حائزة القلم المبدع .. جائزة النوبل للسلم : سلام الله عليك " محمد " كيفك ؟ إني اشتقت إليكم جدا ..، بهت الألم المبرح بنهاية أحجية ومسنجر.

    ريمة الخاني – سوريا:
    لنبدأ من جديد
    واختفى ضبع الليالي خلف درب كاد يهوي من عوينات الضنى ، فاتخذت روحي سراديب حدادي ومزايا السحر غابت ، بينما لاح الحضور الآن صبحا يحتوينا من جديد ..، قلت رمزا : " إن نويت العوْدَ مهلا ، واجعل العود يغني كلما تسابق الدنيا لدينا ..، ألف سابقني وكن بعدك عني مستكينا وأجبني..، ما شعور اللا شعور اللا يبالي ؟" كان رعب قد تولى وتولى السهم بعد الذبح عشق القلب إيمانا به لولا هوى حملي ، وتاهت سدرتي الأولى ارتحالا لكأني أمسح الذنب التلاقي .. لم يكن لي في خيار الخير إلا رفقة منه تراءت كانبثاق النور ليلا ، فاتني البوح ، فلملمت عناقيدي ..، مضيت الآن كي أبدأ حلمي من جديد ، أذن الفجر اغترابا ، غربت شمس وصاحت نجمة الشوق ..، تدلى سقف ها (القائد يحيا) ..، عدت قسرا حيث عدنا.


  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.66

    افتراضي

    هذا درس في فن أدبي جديد وليس دراسة عادية نخرج منها بعناوين وبعض معلومات مما تم تسليط الضوء عليه
    وقراءة متعمقة هنا، تعني استيعابا لماهية القصة الشاعرة، وفهما لأدواتها وآلياته وتأهيلا بالتالي للإبداع في مجالها لكل ذي موهبة

    تحيتي لقلمك وإبداعك استاذنا
    أطلت الغيبة وأحشت لغيبتك الواحة

    دمت بألق
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية محمود فرحان حمادي شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2009
    الدولة : العراق
    العمر : 63
    المشاركات : 7,102
    المواضيع : 105
    الردود : 7102
    المعدل اليومي : 1.28

    افتراضي

    القصة الشاعرة
    هذا الجنس الجديد في عطاء الأدبي العربي الذي لا ينضب
    لون جديد ماتع له جمهوره ورواده
    ومازال الأستاذ محمد الشحات محمد رافع لواء مجده يتحفنا بالدراسات المشوقة عنه
    ونحن نكن له كل التوقير والعرفان لما يقدمه من درر في هذا الفن
    الذي يحتاج الكثير الكثير لكي تسطع شمسه وينار بدره جميلا
    بوركت أستاذنا وسلمت
    تحياتي

  4. #4
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.78

    افتراضي


    شكرا لك استاذنا الكريم محمد الشحات محمد لما تزودنا به من قراءات ودراسات في هذا الفن الأدبي المبتكر

    أعترف بأني كلما حاولت أكتشفت اني ما زلت بحاجة للمزيد لتعلمة


    شكرا لك دائما

    بوركت

  5. #5
    الصورة الرمزية صفاء الزرقان أديبة ناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2011
    المشاركات : 715
    المواضيع : 31
    الردود : 715
    المعدل اليومي : 0.15

    افتراضي

    "هو حدث ؛ يمثل انصهارا تاما بين كل من تقنيات القصة القصيرة ، وتقنيات شعر التفعيلة ، من خلال قواعد النحو والصرف ، ولكنه ليس بالقصة القصيرة ، ولا هو بالشعر ، بل هو شكل جديد يتمتع بالأصالة بالرغم من حداثته. ويتمتع فيه النص بإيقاع هامس ، وموسيقا دافئة معبرة عما يجيش بصدر المبدع ، وما يحويه المتلقي ، وذلك من خلال نفس شعري طويل ومتصل ، مع وجود التدوير العروضي ، مع امتزاج النص بخصائص القصة القصيرة ، من دراما قصصية تخرج من ثنايا العمل الأدبي ، وتكون منصهرة معه."

    درس رائع يعرف القارئ بالقصة الشاعرة
    و يوضح كنهها و اهم سماتها من خلال عرض بعض الامثلة
    دراسة رائعة لتعرف غير المُطلع على القصة الشاعرة
    بهذا النوع الجديد من الادب

    تحيتي و تقديري لك استاذي
    دمت بخير

المواضيع المتشابهه

  1. فيِ رحابِ رِحابُ
    بواسطة المصطفى البوخاري في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 22-03-2017, 10:32 AM
  2. تساؤلات حول القصة الشاعرة
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 19-04-2015, 11:11 PM
  3. القصة الشاعرة /د.خالد البوهي
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 24-01-2012, 01:34 AM
  4. كتاب "بانوراما القصة الشاعرة"
    بواسطة محمد الشحات محمد في المنتدى المَكْتَبَةُ الأَدَبِيَّةُ واللغَوِيَّةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 20-12-2010, 11:03 PM
  5. ْ{ فِي رِحَابِ .. المَدِينَةِ المُنَوَّرَة }
    بواسطة عبدالملك الخديدي في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 21-02-2007, 07:27 AM