وردت أحاديث صحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في فضل الصيام في شهر شعبان .
فمن ذلك : أن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصوم حتى نقول : لا يفطر , ويفطر حتى نقول : لا يصوم , وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - استكمل صيام شهر إلا رمضان , وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " . أخرجه البخاري (9691) ومسلم (5611) وفي رواية عنها - رضي الله عنها - أنها قالت : " لم يكن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصوم شهرًا أكثر من شعبان , وكان يقول : " خذوا من العمل ما تطيقون ..." أخرجه البخاري ( 1970) ومسلم مختصرًا (1156) .
وهذا الإكثار من الصيام في شهر شعبان يدل على فضيلة هذه العبادة في هذا الشهر ,
والمقصود صيام أكثر الشهر , لا كله , كما هو ظاهر بعض الروايات ,
والذي حملَ أهل العلم على تأويل الكل بالأكثر الرواياتُ الأخرى , لأنه بجمع الروايات يتضح المقصود من الإجمال والإبهام ,
فمن ذلك ما جاء عند مسلم - رحمه الله - من حديث عائشة , وقد سألها عبد الله بن شقيق : هل كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يصوم شهرًا معلومًا سوى رمضان ؟ قالت : " لا والله , إن صام شهرًا معلومًا سوى رمضان , حتى مضى لوجهه " - وفي رواية : "حتى مضى لسبيله " - ولا أفطره حتى يصيب منه " وفي رواية : " ولا أفطره كله حتى يصوم منه " وفي رواية عند مسلم أيضا : " وما رأيته صام شهرًا كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان " وفي رواية عند مسلم أيضًا : " وما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا رمضان , وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان " وفي رواية عند مسلم أيضا : " كان يصوم شعبان كله ,كان يصوم شعبان إلا قليلاً " .
وعند البخاري (1971) ومسلم ( 1157) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : " ما صام رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - شهرًا كاملاً قط غير رمضان , وكان يصوم حتى يقول القائل : لا والله لا يفطر , ويفطر حتى يقول القائل : لا والله لا يصوم " .
وحَمْلُ صيام شعبان على الأكثر هو الظاهر , وقد نقل الإمام الترمذي عن الإمام عبد الله بن المبارك أنه قال : " هو جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال : صام الشهر كله , ويقال : قام فلان ليله أجمع , ولعله تعشى , واشتغل ببعض أمره ".
قال الترمذي - رحمه الله - : " كأن ابن المبارك قد رأى كلا الحديثين متفقين , يقول : إنما معنى هذا الحديث أنه كان يصوم أكثر الشهر " . انتهى . "سنن الترمذي" ( 3/14/737) .
وقد اختلف العلماء في الحكمة من الإكثار من الصيام في شهر شعبان,
فمنهم من قال : إنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - كان يشتغل عن صوم الثلاثة الأيام من كل شهر لسفر أو غيره , فتجتمع , فيقضيها في شعبان ,
ومنهم من قال : لتعظيم رمضان ,
ومنهم من قال : إن نساءه - عليه السلام - كن يقضين ما عليهن من رمضان في شعبان , فكان - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - يشاركهن,
ومنهم من قال: إنه - عليه السلام - كان يعوض ما فاته من تطوع في شهر رمضان ,
ومنهم من قال : لأن الناس يغفُلون عن الصيام في شعبان , بخلاف رجب ورمضان, ولأن الأعمال ترفع فيه . انتهى ملخصًا من " الفتح " (4/314/315)
ولم أعلم دليلاً يصحّ لشيء من هذه الأقوال , وقد ضعّف الحافظ أكثر أدلتها , ولا يمنع أن يكون هذا كله مرادًا , أو لحكمة أخرى علمها من علمها , وجهلها من جهلها , والله أعلم .
من فتاوى الشيخ أبي الحسن المصري