العجوز الداعية(01)
***
بينما كنت اقضي بعض أشغالي بالمدينة أذن المؤذن لصلاة العصر فقصدت اقرب مسجد لي لألحق بصلاة الجماعة....وعند دخولي لذلك المسجد تذكرت قصة بناءه ..وبدأ شريط الأحداث يمر أمامي كأنه يحدث في هذه اللحظة.
لقد حدث ذلك مند زمن بعيد عندما كنت شاب ادرس وكنت يومها أحب داعية مشهور في المدينة .. أتتبع خطواته حيثما حل في التجمعات الخيرية والدعوية التي كان يقوم بها .
بعد الانتهاء من صلاة العصر لهذا اليوم.....تذكرت عندما انتهينا من صلاة العصر لذلك اليوم الذي مر عليه أربعة وعشرون سنة خلت .
فوقف الإمام الداعية يخطب في جموع المصلين الذين قدموا تلبية لدعوة اللجنة الدينية للمسجد والتي أرادت من خلال هذا اللقاء أن تجمع ما تيسر من أموال المحسنين لمواصلة أشغال البناء.
مسجد توقفت الأشغال به عند هذه الأرضية التي نجلس عليها في العراء.
انه مسجد يقع وسط مدينة تلمسان وسيكون له شان كبير عند الانتهاء منه.. لذا يجب تشييده على نمط الفن المعمارى الأندلسي ويتطابق بالتالي مع الموروث الحضاري للمنطقة.
ومن هنا كان يلزمه الكثير من الأموال لإتمامه ويكون معلما حضاريا شامخا في هذه المدينة العريقة والضاربة جذورها في التاريخ.
قررت اللجنة الدينية استدعاء هذا الداعية الخطيب الفصيح والذي يشهد له الجميع بذلك على أمل أن ترق القلوب وتنفق بسخاء مما رزقها الله.
لان سكان هذا الحي كلهم تقريبا من الأغنياء وأصحاب ثروات طائلة.
تفنن الداعية الماهر بكل جدارة في أساليب الوعد والوعيد والترغيب والترهيب إن هم تصدقوا من فائض أموالهم وان الله يجازي كل مسلم شيد بيت لله ببيت له في الجنة إلى آخره...... فكانت خطبته في المستوى المطلوب .. وإن من البيان لحكمة.
تصدق الأغنياء أخيرا ...فجاءت صداقتهم شحيحة وليس في المستوى المطلوب لا بالنسبة لثرواتهم الطائلة و لا بالنسبة لمسجد كهذا.
بينما انتهت اللجنة من جمع الأموال.. طلع علينا طفل صغير يحمل بين يديه كيس كبير قال بالحرف الواحد:
إنها حلي من الذهب الخالص من عجوز كبيرة في السن وهبتها لبناء بيت الله ابتغاء منها لمرضاته سبحانه وتعالى وأرسلتها معي كي لا يعرف احد باسمها .... ثم انصرف.
عندما باعت اللجنة الدينية محتوى ذلك الكيس الكبير حصلت على مبلغ من المال معتبر... وقدره قدرأضعاف مضاعفة لما جمعه الفقراء والأثرياء جميعهم.
عند صباح اليوم الموالي.. كانت تلك العجوز الطاهرة قد التحقت بالرفيق الأعلى وعندها فقط عرف الناس من تكون صاحبة الكيس.
انتشر خبر قصتها في كل الأحياء المجاورة بسرعة فائقة فهب جميع سكان المدينة يحضر جنازتها التي كانت بالنسبة لها عرس بهيج لو نطقت.
بعد العودة من المقبرة تسابق أغنياء ذلك الحي وكل الأحياء المجاورة في المدينة
يتنافسون في التبرع بخالص أموالهم التي لم تكن محتشمة هذه المرة والتي كانت في مستوى ذلك المسجد العظيم الذي هو اليوم يقف شامخا بصومعته وفنه المعماري العريق وشاهد على قصة عجوز
تذكرنا بمقولة عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.
( أصابت العجوز واخطأ عمر)
ونحن نقول:
(نجحت العجوز حيث اخفق الداعية)
****
توضأت..... وصلت وقتها
شكرت.......ودعت ربها
طلبت لها بيت في الجنة
يسبق موتها
***
جمعت كل حليها
حزمت كيس من الذهب الخالص
أمرت طفلها
اذهب يا بني لذاك الجمع الكريم وقل لهم:
هذا من امرأة عجوز
ابتغاء مرضات الله
وهبت رزقها
واشترت بيتها
وان سألوك من تكون
لا تفشي سرها
***
توضأت..... وصلت وقتها
دعت ربها في السر
أن يقبض روحها
نامت ...وفي النوم توفت نفسها
أذاع الموت اسمها.....وأفشى سرها
هب الجميع يحضر موتها
بل عرسها
***
ودعوا جسما طاهرا
وعاد إبليس مهموما خاسرا
كان يعدهم من قبل بالفقر
وهاهم الآن ينفقون وينفقون
تبا لإبليس اللعين
كم كان بهم ماكرا.