أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: علماؤنا بين التقديس والتهريس

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : جزائري
    العمر : 44
    المشاركات : 1,175
    المواضيع : 62
    الردود : 1175
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي علماؤنا بين التقديس والتهريس

    بعدما اختلط الحابل بالنابل في عصرنا هذا أمام ظاهرة تعدد العلماء الدينيين أو ما يسمون كذلك .إذ لكل فرد قناعاته الخاصة التي تتماشى مع فكر هذا أوذاك بغض النظر عن صحة مبادئهم وتوجهاتهم . فالاختلاف مشروع وهو سنة راسخة في الوجود لولاها ما كان لكثير من قناعاتنا العقائدية والدنيوية معنى كما يقول جل جلاله : كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّـهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِين وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فيه )سورة البقرة الآية 213 . إذن لولا هذا الاختلاف لتهدمت كل مفاهيمنا وما بنينا عليه حياتنا من جنة ونار وأنبياء وغير ذلك . ومع استفحال ظاهرة التعصب وما لها من أخطار وجب علينا أن ننظر للأمر بشيء من الموضوعية والتحليل .

    لو ركزنا نظرنا على زاوية من الزوايا لأي عالم أو مفكر لوجدناه عبقرية من العبقريات . وهذا ما يجعلنا ننجذب مبهورين أمام مقالاتهم ودروسهم لما تحمله بين طياتها من علم واسع و منطق موزون وقدرة على تحليل الوقائع وتسخيرها لنصرة فكرة ما بطريقة متقنة تشبه السحر لكنها ليست بالسحر . هذا من جهة ولكن من الجهة الأخرى لو نظرنا إلى نفس العينة من زاوية أخرى وعادة ما تكون هذه الزواية ضيقة يصعب على البسيط منا إدراكها ما لم تُسلِّط عليها عينُ ناقد متمكن الضوءَ فينجلي العيب . هذا العيب الذي تتعاظمه عقولنا بعد ذلك لقصر فيها ولقناعاتنا الراسخة بأن مثل هذا الخطأ غير مسموح من هذا الشخص أوذاك . وبذلك تختلط المفاهيم ونجد أنفسنا في متاهتين؛ متاهة من الصراع الداخلي النفسي للفرد ذاته إثر سقوط الركائز التي أسس عليها بنيانه العقائدي ،و متاهة فوضى اجتماعية ولدها التعصب الناجم عن تضارب وجهات النظر المختلفة .

    ومثل هذه الإشكاليات عرفت منذ القدم . بما عرفه التاريخ من صراع بين صوفية وسنة وشيعة ومعتزلة وغيرها. لكنها في عصرنا هذا تفاقمت لأسباب عدة . منها الانتشار الواسع للوسائل الإعلامية بتنوعها. وكذلك تعدد الدول الإسلامية و اختلاف أنظمتها وعاداتها وتقاليدها. والسبب الأساسي هو القصر الفكري الذي يعاني منه الفرد المسلم اليوم . فالمسلم اليوم أصبح فردا استهلاكيا ليس فقط فيما يتعلق بغذائه المادي بل حتى فيما يتعلق بالفكري منه . فقد أخللنا بكل الآيات التي تدعو للتدبر و إعمال الفكر وعطلناها لنرضى بعد ذلك بما ينشئه لنا الآخرون من أفكار نتقبلها كما هي من غير أن نُمحِّصها و نعرضها على عقولنا وعلى مجتمعاتنا لننقحها في إطار سعة هذا الدين التي شملت المكان والزمان ونأخذ منها ما يناسبنا ثم نعرض ما تخالف وطبيعتنا لفقيهنا ليوائمه تحت ظل الشرع وما يناسب مكاننا وزماننا . وبذلك تستقيم أفكارنا الدينية وتتركز غير مهددة بالاختلال الذي تولده التناقضات ولا بالزوال بعد مدة قصيرة تاركة خلفها فراغا فوضويا لا يندمل إلا بعد أمد.

    من هنا نرى أن الفرد المسلم اليوم أصبح ميالا لتقديس الأشخاص لا أفكارهم .وهذا هو أكبر سبب يولد اختلالا ملموسا متى اختلت أفكار الشخص المقدس . فالفرد مهما علا شأنه وتوسعت معارفه يبقى غير معصوم ومعرض للأخطاء . وما نراه صحيحا في هذا الزمان والمكان قد يتهاوى غدا أو في مكان آخر. ولهذا جاء القرآن شاملا و معجزا بقيمه العليا التي رسمت للبشرية حجر الأساس الذي تبنى عليه الحضارات ثم ترك التحديد والتفصيل للاجتهاد في الإطار العلمي المعروف وفقط بهذا يمكن أن نضمن للاسلام ليونته ووسطيته عبر الأزمنة وبتعدد الأمكنة.

    من هنا وجب علينا اليوم نحن المسلمين أن نغير استراتيجيات تعاملنا مع علمائنا وأن نتخلص من ظاهرة تقديس أشخاصهم والغلو فيهم إلى تقدير أفكارهم واجتهاداتهم وليس تقديسها لأن الأفكار كذلك عرضة للبطلان ما دام منشؤها غير معصوم . وكثيرة هي الأفكار التي كانت تبدو صحيحة ثم أثبتت الأيام خطأها. وبهذا فقط يمكن أن نضمن للعالِم مكانته التي يستحقها . فكما أن نسب الربوبية للنبي تعني إهانته لا تكريمه فكذلك نسب العصمة لعالِم يصيب ويخطئ وكما قيل ( كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر) إذن فالأحرى بنا اليوم أن نقدر علماءنا تقديرا يليق باجتهادهم وتكريس حياتهم لنصرة هذا الدين غير مقدسين ، موقنين تمام اليقين أنهم بشر يصيبون ويخطئون . وأن نحيي في أنفسنا سنة شرعها القرآن وأكد عليها في غير موضع وهي سنة التدبر والنظر ولا يكون هذا إلا بالاطلاع بجميع وسائله فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها ولن نجدها إلا بالبحث والتفكير والتدبر.

    هذا على حساب الفرد أما على حساب المؤسسات فحبذا لو تكرست تلك الفكرة التي دعا إليها العديد من العلماء وعلى رأسهم الغزالي رحمه الله بإنشاء مجلس إسلامي أعلى ومجالس فرعية في كل بقعة إسلامية. حتى نخرج بها من فوضى الاجتهادات الفردية وما تخلفه من سلبيات إلى رحابة الاجتهاد الجماعي الذي يراعي المكان والزمان بدقة وموضوعية هذا الدين اللين الذي اتسم وارتفع بين الأديان بوسطيته .

    قلم مولود خلاف
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد الرحيم بيوم أديب
    هيئة تحرير المجلة

    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : المغرب
    المشاركات : 2,249
    المواضيع : 152
    الردود : 2249
    المعدل اليومي : 0.51

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة مولود خلاف مشاهدة المشاركة
    فالمسلم اليوم أصبح فردا استهلاكيا ليس فقط فيما يتعلق بغذائه المادي بل حتى فيما يتعلق بالفكري منه ...
    الفرد المسلم اليوم أصبح ميالا لتقديس الأشخاص لا أفكارهم...
    وجب علينا اليوم نحن المسلمين أن نغير استراتيجيات تعاملنا مع علمائنا وأن نتخلص من ظاهرة تقديس أشخاصهم والغلو فيهم إلى تقدير أفكارهم واجتهاداتهم وليس تقديسها
    صدقت مع إضافة شيء مهم وهو أن اعمال العقل ينبغي ان يكون بخلفية علمية ولو محددة لتسدد مسار التفكر
    فلكل فن اهله لا يتصور منازعتهم دونما معرفة بمنطلقاتهم واصول كلامهم
    تحياتي لك
    وحفظك المولى

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Jan 2007
    الدولة : جزائري
    العمر : 44
    المشاركات : 1,175
    المواضيع : 62
    الردود : 1175
    المعدل اليومي : 0.18

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحيم صابر مشاهدة المشاركة
    صدقت مع إضافة شيء مهم وهو أن اعمال العقل ينبغي ان يكون بخلفية علمية ولو محددة لتسدد مسار التفكر
    فلكل فن اهله لا يتصور منازعتهم دونما معرفة بمنطلقاتهم واصول كلامهم
    تحياتي لك
    وحفظك المولى
    بوركت أستاذنا على هذا المرور
    نعم صدقت فلكل فن أهله وليس كل مسلم ملزما بأن ينازع أهل الاختصاص اختصاصهم إنما إعمال العقل فأراه ضروريا لنا نحن المسلمين جميعا حتى نحقق تلك الخلفية العلمية التي إن توسعت تعين النبيه بأن ينبغ وإن تحددت فهي على الأقل تعين المسلم البسيط بأن يكون على بينة من أمره صاحب قناعات راسخة ثابتة لا تتزعزع بسهولة وهذا ما أردته بضرورة إحياء سنة التدبر والنظر التي دعا إليها القرآن في العديد من المواضع .