في ساعة متأخرة من الليل ، سمعت طرقاً في الباب ، قفزت من سريرها ، بسرعة لبست منامتها . مشت على أصابع قدميها ، أطلت من ثقب الباب ، بحذر شديد أصاخت بأذنها اليسرى .. ترصدت صمت الجدران ، لا خشخشة ولا نحنحة ..
رجعت إلى سريرها والظلام يغلفها . تنازعت مع أفكارها ، تشابكت مع هواجسها ،همست لنفسها وقالت : أو يكون عاد إلى هنا .. ؟ كيف يعود ؟ مهما فعل لن يستطيع أن ينسيني ندوب القهــر والحرمان ، تركني أتوسد وحشة الجدران ، شرب عرقي ، وامتص أيامي . كل ليلة تفوح من جسمه رائحة احتراق ، قامته الطويلة فرغت من كل طاقة .. ياه .. لست كباقي النساء ياولد القدوشي ، المحكمة قالت كلمتها ..
من النافذة أطل ضوء الصباح ، خشخشة الجيران بدأت تطرد صمت الحيطان . خرجت تتهادى وخيوط هواجس تنسل من أقاصي الماضي .. فتحت الباب ..
ــ ما هذا .. ؟ رسالة .. ؟ ممن تكون .. ؟
ارتجفت أصابعها ، فار دمها ، مزقت الظرف بعنف ، لم تحكم القبض عليه ، انفلتت منها كأن الهواء تخطفها .. انحنت تلتقطها ، صفعتها برودة غبار متطاير . ما أن فضت الرسالة حتى صدمت : بعد صلاة الظهر ستشيع جنازة ولد القدوشي ..
بسرعة مرت على الكلمات ، أعادت القراءة ، توقفت عند كل حرف ، شدت على صدرها ، أفرغت رئتيها من الهواء الفائض ..
.. سكبت على اللحظة عصارة فرح مشوب بالحذر ، كتمت ضحكتها ، مزقت الرسالة قطعاً صغيرة.. مر زمن قصير ، تدلت برأسها تطل في حذر.. رأت شبح رجل متوسط القامة يصعد الدرج .. فابتسمت ...