أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: وفاة موظف - أنطون تشيخوف

  1. #1
    الصورة الرمزية مصطفى حمزة شاعر
    تاريخ التسجيل : Apr 2012
    الدولة : سوريا - الإمارات
    المشاركات : 4,424
    المواضيع : 168
    الردود : 4424
    المعدل اليومي : 0.96

    افتراضي وفاة موظف - أنطون تشيخوف

    وفاة موظف - أنطون تشيخوف


    ذات مساء رائع كان إيفان ديمتريفيتش تشرفياكوف، الموظف الذي لا يقل روعة، جالسا في الصف الثاني من مقاعد الصالة، يتطلع في المنظار إلى " أجراس كورنيفيل" .
    وراح يتطلع وهو يشعر بنفسه في قمة المتعة . وفجأة ... وكثيرا ما تقابلنا "وفجأة" هذه في القصص . والكتاب على حق، فما أحفل الحياة بالمفاجآت ! فجأة تقلص وجهه، وزاغ بصره، واحتبست أنفاسه .. وحول عينيه عن المنظار وانحنى و ... أتش !!! عطس كما ترون . والعطس ليس محظورا على أحد في أي مكان . إذ يعطس الفلاحون ورجال الشرطة، بل وحتى أحيانا المستشارون السريون .
    الجميع يعطس، ولم يشعر تشرفياكوف بأي حرج، ومسح أنفه بمنديله، وكشخص مهذب نظر حوله ليرى ما إذا كان قد أزعج أحدا بعطسه . وعلى الفور أحس بالحرج . فقد رأى العجوز الجالس أمامه في الصف الأول يمسح صلعته ورقبته بقفازه بعناية ويدمدم بشيء ما . وعرف تشرفياكوف في شخص العجوز الجنرال بريزجالوف الذي يعمل في مصلحة السكك الحديدية . وقال تشرفياكوف لنفسه : " لقد بللته . إنه ليس رئيسي بل غريب، ومع ذلك فشيء محرج . ينبغي أن أعتذر".
    وتنحنح تشرفياكوف ومال بجسده إلى الأمام وهمس في أذن الجنرال :
    - عفوا يا صاحب السعادة، لقد بللتكم ..لم أقصد .
    - لا شيء ، لا شيء .
    - أستحلفكم بالله العفو . إنني .. لم أكن أريد !
    - أوه، اسكت من فضلك ! دعني أصغي !
    وأحرج تشرفياكوف فابتسم ببلاهة وراح ينظر إلى المسرح، كان ينظر ولكنه لم يعد يحس بالمتعة . لقد بدأ القلق يعذبه . وأثناء الاستراحة اقترب من يريزجالوف وتمشى قليلا بجواره، وبعد أن تغلب على وجله دمدم :
    - لقد بللتكم يا صاحب السعادة .. اعذروني .. إنني لم أكن أقصد أن ...
    فقال الجنرال :
    - أوه كفاك ! أنا قد نسيت وأنت ما زلت تتحدث عن نفس الأمر !.. وحرك شفته السفلى بنفاد صبر .
    وقال تشرفياكوف لنفسه وهو يتطلع إلى الجنرال بشك : " يقول نسيت بينما الخبث يطل من عينيه . ولا يريد أن يتحدث . ينبغي أن أوضح له أنني لم أكن أرغب على الإطلاق .. وأن هذا قانون الطبيعة، وإلا ظن أنني أردت أن أبصق عليه .. فإذا لم يظن الآن فسيظن فيما بعد ! ..." .
    وعندما عاد تشرفياكوف إلى المنزل روى لزوجته ما بدر عنه من سوء تصرف . وخيل إليه أن زوجته نظرت إلى الأمر باستخفاف فقد جزعت فقط، ولكنها اطمأنت عندما علمت أن بريزجالوف "غريب" .
    وقالت : - ومع ذلك اذهب إليه واعتذر وإلا ظن أنك لا تعرف كيف تتصرف في المجتمعات .
    - تلك هي المسألة ! لقد اعتذرت له، لكنه ... كان غريبا .. لم يقل كلمة مفهومة واحدة، ثم إنه لم يكن هناك متسع للحديث .
    وفي اليوم التالي ارتدى تشرفياكوف حلة جديدة، وقص شعره وذهب إلى بريزجالوف لتوضيح الأمر .. وعندما دخل غرفة استقبال الجنرال رأى هناك كثيرا من الزوار ورأى بينهم الجنرال نفسه الذي بدأ يستقبل الزوار . وبعد أن سأل عدة أشخاص رفع عينيه إلى تشرفياكو . فراح الموظف يشرح له :
    - بالأمس في "أركاديا" لو تذكرون يا صاحب السعادة عسطت و .. بللتكم عن غير قصد .. اعذر ..
    - يا للتفاهات .. الله يعلم ما هذا ! – وتوجه الجنرال إلى الزائر التالي – ماذا تريدون ؟
    وفكر تشرفياكوف ووجهه يشحب : " لا يريد أن يتحدث أذن فهو غاضب .. كلا لا يمكن أن أدع الأمر هكذا ... سوف أشرح له ..."
    وبعد أن انتهى الجنرال حديثه مع آخر زائر واتجه إلى الغرفة الداخلية، خطا تشرفياكوف خلفه ودمدم :
    - يا صاحب السعادة ! إذا كنت أتجاسر على إزعاج سعادتكم فإنما من واقع الإحساس بالندم ! . لم أكن أقصد، كما تعلمون سعادتكم ! .
    - فقال الجنرال وهو يختفي خلف الباب :
    - إنك تسخر يا سيدي الكريم !
    وفكر تشرفياكوف : "أية سخرية يمكن أن تكون ؟
    ليس هنا أية سخرية على الإطلاق ! جنرال ومع ذلك لا يستطيع أن يفهم ! إذا كان الأمر كذلك فلن أعتذر بعد لهذا المتغطرس . ليذهب إلى الشيطان ! سأكتب له رسالة ولكن لن آتي إليه . أقسم لن آتي !".
    هكذا فكر تشرفياكوف وهو عائد إلى المنزل . ولكنه لم يكتب للجنرال رسالة . فقد فكر ولم يستطع أن يدبج الرسالة . واضطر في اليوم التالي إلى الذهاب بنفسه لشرح الأمر ..
    ودمدم عندما رفع إليه الجنرال عينين متسائلتين :
    - جئت بالأمس فأزعجتكم يا صاحب السعادة، لا لكي أسخر منكم كما تفضلتم سعادتكم فقلتم . بل كنت أعتذر لأني عطست فبللتكم ... ولكنه لم يدر بخاطري أبدا أن أسخر وهل أجسر على السخرية ؟ فلو رحنا نسخر فلن يكون هناك احترام للشخصيات إذن ...
    - وفجأة زأر الجنرال وقد أربد وارتعد :
    - اخرج من هنا !!
    فسأل تشرفياكوف هامسا وهو يذوب رعبا :
    - ماذا ؟
    فردد الجنرال ودق بقدمه :
    - اخرج من هنا !!
    - وتمزق شيء ما في بطن تشرفياكوف . وتراجع إلى الباب وهو لا يرى ولا يسمع شيئا . وخرج إلى الشارع وهو يجرجر ساقيه .. وعندما وصل آليا إلى المنزل استلقى على الكنبة دون أن يخلع حلته ... ومات .
    ________________________________________
    اللهمّ لا تُحكّمْ بنا مَنْ لا يخافُكَ ولا يرحمُنا

  2. #2
    شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jan 2010
    الدولة : على أرض العروبة
    المشاركات : 34,923
    المواضيع : 293
    الردود : 34923
    المعدل اليومي : 6.46

    افتراضي

    فئران في قرارة أنفسهم، مهزومون ملوثون بالخوف، فلا جرم أن تمتهنهم الحياة

    اختيارك بديع أديبنا

    دمت بألق

    تحاياي
    تستطيع أن ترى الصورة بحجمها الطبيعي بعد الضغط عليها

  3. #3
    الصورة الرمزية نداء غريب صبري شاعرة
    تاريخ التسجيل : Jul 2010
    الدولة : الشام
    المشاركات : 19,096
    المواضيع : 123
    الردود : 19096
    المعدل اليومي : 3.66

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ربيحة الرفاعي مشاهدة المشاركة
    فئران في قرارة أنفسهم، مهزومون ملوثون بالخوف، فلا جرم أن تمتهنهم الحياة
    هذه مقولة رائعة
    وصفت بطل القصة وأبطال الحياة الجبناء الذين يموت أهلهم وهم يتفرجون
    وصفتنا باختصار
    شكرا لك سيدتي

    والقصة جميلة أستاذي مصطفى حمزة
    شكرا لك


    بوركتما
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  4. #4
    قلم فعال
    تاريخ التسجيل : Nov 2019
    المشاركات : 3,682
    المواضيع : 267
    الردود : 3682
    المعدل اليومي : 2.04

    افتراضي

    كل هذا من أجل عطسة؟؟
    لو كانت العطسة في زمننا هذا ( زمن الكورونا) لكنا عذرناه ـ بل وبلغنا عنه
    وحجرنا عليه أيضا هههههه
    تحياتي لك سيدي ـ وشكرا لإختيارك.

  5. #5
    الصورة الرمزية عبدالحكم مندور مشرف قسم الشعر
    شاعر

    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    المشاركات : 4,525
    المواضيع : 59
    الردود : 4525
    المعدل اليومي : 0.65

    افتراضي

    هل يجتمع الحمق وشدة الحساسية حد الموت أحسنت الاختيار والنقل

  6. #6
    مشرفة عامة
    أديبة

    تاريخ التسجيل : Aug 2012
    المشاركات : 21,800
    المواضيع : 360
    الردود : 21800
    المعدل اليومي : 4.87

    افتراضي

    نعم .. هو ماقاله أ. عبد الحكم مندور اجتماع للحمق مع شدة الحساسية حد الموت.
    كنت رائعا أستاذ مصطفى حمزة حتى في اختياراتك رحمك ربي وغفر لك
    وأسكنك فسيح جناته.
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعينقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

المواضيع المتشابهه

  1. موظف
    بواسطة رافت ابوطالب في المنتدى القِصَّةُ القَصِيرَةُ جِدًّا
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 06-02-2017, 03:14 PM
  2. موظّف في اليوم السّابع
    بواسطة كاملة بدارنه في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 17-07-2015, 05:06 PM
  3. **أنطون تشيخوف **
    بواسطة سحر الليالي في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 07-06-2006, 06:28 PM
  4. متى يعلنون وفاة العرب ؟ اليوم نعلن وفاة العرب
    بواسطة جمال النجار في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 10-11-2004, 08:34 PM
  5. وفاة أم
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 20-10-2003, 12:57 AM