همٌ .. يجثمُ على كاهلي .. تثقلهُ الأيام .. لم تدرِ أمي عن حد الوجع وحد الاختناق الذي أصابني .. أخفي رأسي متقَرفَصَاً , لأحلم حلماً أكتبهُ على جدرانِ قلبي اليتيم ..
ماعادالطيريُغرد في الصباحِ قُربَ النافذة ، فأنصتُ لترانيم تسبيحه ..
ماعاد ذاك الراعي يشدوا تحت ظِلاَل النخلات وكأنهُ يعزف على أوتارِ قلوب تلك الغنمات, التي تتمايل مع حروفه الندية كالعشب يتمايل مع نُسيمات الصباح ..
ماعادت تلك العجوزالهرِمة تعجنُ الدقيق َلتخبز خبزاً تُعطرهُ برائحةِ السنين الماضية , تخبزهُ على جريدِ النخل فتختلط رائحة الأرض برائحةِ الخبز وقد تلطخ برماد ..
ماعُدت أرى أقدام الأطفال العارية من الأحذية وهي متلطخة بطين البلدة وهم يمرحون مولعون بالعبِ يأخذون من الطين القليل منه ليضعوه على وجوههم لتكمن البهجة بين جدرانِ البيوتِ القديمة,
إلاّ أنا كنتُ أقع أسيراً في قبضةِ المطر , فأُصاب بشيء اسمه جنون المطر , ربما هو عبث الطفولة !..
أزهارنا يعتليها الشحوب وأشجارنا كسيرة لاتثمر ..
ماعادت النجوم تلمعُ في سماءِ بلدتنالأن الدخانَ حجب كل شيء جميل.. لم أعُد أسمع ُصوت أبي يناديني لذهاب إلى المسجدِ بعد أن كُنا ننسجُ بخطواتنا معاً طريقاً إلى الجنةِ ,
قصفوا المسجد وعربدوا فيه واستباحوا حرمته حتى صيررماد تناثرفي يومٍ عاصف ٍ اشتدت به الريح , وأبي معتكف فيه !
ياألله .. رائحة أبي تدنومني , تهب عليّ مع كل نسمة هواء استنشق أنفاسه المعتكفة فيزيدني ثباتاً ..
ماعادت بلدتي التي أعرف , قلوب الناس أمست حزينة , مهمومة ,مكلومة , آمالهم اغتالها الحقد الدفين فلايسمع همساتها إلاّ الله ..
ليس للفرح مساحة في قلوبهم إنما أوتاد من الحزن يتكئ عليهم .. صوت أمي كفيل بأن ينتشلني من بين هديرأمواج حلم اليقظة ..
عمر .. عمر.."الدولمة " جاهزة , تنتظرك لتلتهمها.. سال لعابي, لذيذة يعجبني طعمها, متى ستكون بين أسناني!.
ولكن صاروخ الرماد أبى أن التهم"الدولمة"
فتناثرت أشلاء أمي.. و"الدولمة" و .... فغابُوا تحت الرماد !