كانت منهمكة في ترتيب حجرتها حين سمعت همهمات صغيرة
ترتفع مره وتنخفض مره بشكل عشوائي ، في البداية تجاهلت ماسمعت ،اعتقدت أن هناك خللاً ما في أذنها
(الساعة الثالثة فجراً لا أحد مستيقظ الآن ! يبدو أن الإرهاق بلغ مني مبلغاً كبيراً
أوووه يجب أن أنام .!)
عادت الهمهمات ثانيةً ، بصوت مرتفع قليلاً ، أصغت سمعها ثم غيرت رأيها وعادت لعملها ، (ومادخلي أنا فليكن أحدهم مستيقظ !!)
بدأت ترتيب المكتبة الخشبية ذات اللون البني ، أخذت ماعليها من كتب ووضعتها على السرير
كانت قد بدأت بمسح الأرفف ، حين عاد الصوت يرن في أذنها ، هذه المرة تملكها الفضول لتسمع
كانت تقف على كرسي صغير لتمسح الأرفف العلوية
فلم تحاول النزول ، بقيت معلقة وهادئة كي تسمع حين توقف كل شيء عن الحركة
إختفى الصوت . إزدادت حنقاً !
(تباً فليكن أحدهم يشارف على الموت ومادخلي ) ، عادت لعملها أنهت مسح الأرفف كانت تهم بالنزول
سمعت الصوت عاد لكنه خافت جداً هذه المره لازالت منذ بدأ يلعب معها هذا الصوت لم تميز حرفاً واحداً
بل لم تميز هل هو صوتاً بشرياً أم غير ذلك ، وماعساه يكون غير ذلك ، مع هذه الفكرة الحمقاء الجديدة التي إقتحمتها فجأة
شعرت بالخوف لكنها تجاهلت ذلك وبدأت في إعادة ترتيب الكتب في المكتبة داخلها صراع بين رغبة وفضول وبين خوف وإنشغال
حاولت أن تثبت لنفسها كإيحاء أنها منشغله (إذن أين كتب التراث ، هي أول ماأضعه هنا لا لا سأبدأ بالمعجم الفلسفي
أمممم حسناً آخر ماأضع هي الروايات كي أصل لها سريعاً ، وأين أضع ..... )
محاولات فاشلة شعرت كأن الصوت يقول لها هذا ، قررت الأن أن تترك كل شيء
كل شيء وتتفرغ لهذا الصوت الذي يرن في أذنها كناي حزين يأبى أن يتوقف حتى يستوقفها عنده
بيدها اليسرى وبشكل سريع أزالت كل ما على مكتبها الصغير ورمته أرضاً ، ألقت برأسها المُجهد على طاولة المكتب
وأغمضت عيناها ، هنا استسلمت جميع حواسها وخضعت
جاء الصوت صافياً ، نقياً بلا شوائب وبلا إنقطاع
لم يكن صوتاً بشرياً كاملاً ، لم يكن صوتاً ملائكياً كاملاً ، لم يكن صوتاً شيطانياً كاملاً
كان صوت بين جميع الأصوات لا تستطيع وصفه سوى أنها سمعت
صوتاً نقي ، دافيء ، رعشة خفيفة هزتها
بدأت تخاطب نفسها ( إنني أعرف هذا الصوت الطاهر ، لكن أين إلتقيته ، أين عرفته ، كيف عرفته ، منذ متى لم أسمعه ..)
السكون كان يلف الحجرة كغطاء من السكينة ، هبط فجأه من السماء السابعة ، زالت الرعشة منها شيئاً فشيئاً
وحل مكانها الطمأنينة استوعبت مايحدث ، وفهمت كل شيء ، حين فهمت اجتاحتها نوبة بكاء حادة
بقيت أيام على إثرها يصعب عليها الكلام ، والتواصل مع الآخرين ،
( كم كنت ظالمة ، وعادلة في نفس الوقت ،سمعت جميع الأصوات الجميلة والقبيحة ، السيئة والجيدة الرائعة والبشعة
حتى الأصوات النشاز كنت أسمعها ، ولا أرفض صوتاً ولا أتحجج بالإنشغال ولا أتجاهلها .....)
(إلا أنت كنت دوماً في آخر إهتماماتي يا لحماقتي سامحني يا صوت نفسي
يا صوت ذاتي ..)
June 2010
لا أستغني عن نقدكم ... وأعتز برأيكم ...