يتناول الجردل والمساحة والمطهرات والملمعات.. ويستقبل نصيحة وفلسفة المشرف بلا مبالاة.
عامل نظافة في مركز شباب الحي مهنة وضيعة.. ولن تستمر إلا إذا كنت راقي النفس كعم حمدي.
ومن هو عم حمدي؟
أنه زميلك هنا .. سيستلم منك الوردية المسائية هو أشهر شخصية في النادي.
كتاجر سلاح خاسر وكمصاب في قدمه بإعاقة بعد استخراج الرصاصة التي استقرت فيها.. وكمفلس بعد استيلاء البلطجية على أسلحته ونقوده.. فلا مفر من تحمل المقارنات والاهانات والرائحة الكريهة .
إن لم تكن راضيا ً قنوعا ً كعم حمدي.. فهذا ضرره عائد عليك في المقام الأول .. أما أنا فلن أتهاون مع أي تقصير أو إهمال في العمل .. فالعمل عمل .
أستلم منك الأحواض والسيراميك وأرضيات الحمامات بتلمع كالنجوم.. غدا العيد كما تعرف .
ينهمك في المسح والجلي والحك.. يدخل الحمام شاب.. يبدأ في التبول يلتفت برأسه وينظر إلى العامل الجديد .
ظنها هو نظرة احتقار .. قال وهو يدير ظهره اليه: لست كعم حمدي .
يتوقف عن الجلى متأففا ً:
وماذا يفعل عم حمدي؟
يمرح ويغنى وينسق الأزهار ويلقى النكات ويرقص أحيانا ويلعب معنا.. أنه يجيد اللعب في جميع المراكز .. جول كيبر .. هاف باك .. وينج رايت .
ويجيد في مركز صانع الألعاب.. فإذا غاب أحدنا لا نحمل الهم.. فعم حمدي ينوب عنه .
هل تجيد اللعب؟
لا
هل تغنى؟
لا .. صوتي ليس جيدا ً .
ماذا تجيد إذا ً؟
أنا بارع فقط في مسح الحمامات.. وعندي موهبة فريدة في جلي الأحواض .
لا .. لا .. غير هذه الأشياء .. ماذا تجيد ؟
القنص .
القنص ؟؟!!
نعم أنا قناص ماهر.. أتلذذ بالقتل وأستمتع بمشهد الدماء .
ارتبك الشاب وارتعب من الشرر الذي يتطاير من عيني عامل النظافة الجديد.. أنهى بسرعة ما جاء من أجله.. وسرعان ما انخرط في اللعب مع زملائه بالصالة الرئيسية بمواجهة حمامات النادي .
سلم الجردل والمساحة والمطهرات والملمعات .. وخلع زيه الأزرق الجديد ومضى يعرج بقدمه المصابة.. صامتا ً لا يكلم أحدا ً ولا يكلمه أحد .
في الشارع يتجنب الزحام ولا يستقل الحافلات ولا المترو.. يتابع السير صامتا .
يصعد إلى سطح بيته مباشرة.. يفتح خزينة الدجاج.. تهرب منه دجاجة يلاحقها إلى الشارع وجسده الضئيل وساقه المصابة.
المشهد يثير فضول أهل الحي والمارة فيتوقف الجميع.. يركض بعرجته بين السيارات والتكاتك ويزحف على بطنه من تحت الكارو.
ينهض في خفة ويرمى بجسده على الدجاجة التي تفلت منه مرة بعد مرة وسط استمتاع أصحاب السيارات وتعليقات شباب الحي الساخرة .
يستمر .. يركض بعرجته.. يجرى بأقصى سرعة.. يطير على الدجاجة في مشهد نادر ويقبض على رقبتها في الفضاء ويهبطا سويا على الأرض .
تحول الاستخفاف في أعين المارة إلى ذهول وانقلبت نظرات السخرية إلى نظرات رعب .
وتحول هو إلى شخص مخيف مرعب وهم يرونه يضرب رقبة الدجاجة بسيف يده فينفجر الدم ويصيب ثيابهم وثيابه في مشهد دموي عنيف.. وينتف ريشها بقسوة وهو صامت.. يقذف بالريش فوق رؤوس المارة وأصحاب السيارات وأهل الحي المصدومين .
الدجاجة الضحية تجد طريقها سريعا إلى حجر زوجته.. يأخذ كرسيا من تحت أحد أبنائه يتناول بندقيته من فوق الدولاب .. يقف في الشباك صامتا ينظف بندقيته .
يطلق النار.. يصيب عصفورين وسط صرخات النساء.. يركض ابنه ليجلب الصيد وتضحك زوجته قائلة: لكننا لن نحيا على عصافيرك .
إلى أين ؟
إلى النادي .
لكنها ليست ورديتك .
يتلصص من الشباك الخلفي .. هذا إذا حمدي .
كان حمدي يغنى ويرقص وهو ينظف الحمامات .. يشاغب الشباب ويشاغبونه ويلعب معهم.
يذهب إلى حديقة النادي وينسق زهورها ويقتطف بعضا منها يوزعها على الموظفات.. يضعها في إناء صغير يثبته فوق الشباك الرئيسي في مدخل الحمامات .
ركض بعرجته في خفة .. دخل على زوجته صامتا .. التهم نصف الدجاجة ارتدى البالطو والتقط البندقية .
وضع مقدمتها على حديد شباك الحمام الخلفي.. وأطلق النار .
كانت دماء عم حمدي تغطى أرضية الحمام .. كانت شفتاه لا تكفان عن الغناء والابتسام .
تجمع الشباب حوله وتسمرت أعينهم عليه وهو ينازع ملقيا عليهم آخر نكاته ..فيما كانت نظرات شاب واحد منهم قد أصابها الرعب والخرس.. وقد رأى طيف وجهه وهو يغادر من خلف نافذة الحمام الخلفية .