بهرني بضحكته العريضة وهو يحمل محفظة أحْنتْ ظهره..
و يناديني بتهكم : يا هذا إليّ بفنجان قهوة دون سكر
حتى لا أقول قهوة مُرة..
فأنا كثير الحذرفي توظيف الألفاظ ..
كما كنت حذرا دوما في اختيار المقاهي التثقيفية التي تضمّ أوقاتَ فراغي..
رغم أنه لا فراغ لدي..!!
أضاف هذه العبارة وهو يُخرج جريدة ..
بل جرائد راح يتصفحها بحثا عن مقال إدعى أنه سُرق منه في طريقه للجريدة ..بل للجرائد..
وضع نظارة أخفتْ جحوظ عينيه الواضح ،وراح ينتقد الكلمات المبعثرة على الجريدة ..بل على الجرائد..
فجأة ردد وهو يعبث بصفحة الكلمات المتقاطعة :
باء..باء..كلمة من أربعة حروف تعني إبتلاء..
قلت : بلاء
قال أصبت.. !!!!
أنت أستاذٌ في الكلمات المتقاطعة..!!!
انشغل عني برهة ليناديني من جديد..
ياهذا ما اسمك..
قلت: سمّـني ما شئت يا أستاذ..
لقد كرهت اسمي منذ أن كنت طالبا بكلية الحقوق ..
ولا حقوق لديّ سوى الخربشة على جدران التسكع..و الثرثرة على أبواب المقاهي
قال : ماذا..! الجـ..ا..م..ع..ة..!؟
هل دخلتَ الجامعة..؟!
قلت: طبعا يا أستاذ..
قال: كيف تعمل نادلا وقد درستَ بالجامعة كما تدعي..
قلتُ: بل تخرجت من الجامعة كما ادّعوا..
قال: وماذا فعلتَ بثقافةٍ زُرعت فيك لسنوات عدة..
قلت:إني موظف كأي مثقف..
ومهنة النادل لا تقل قيمةً عن أي مهنة أخرى..لأنها لم تلغ ثقافتي البتة..
رمى الجرائد من يده..بل الجريدة وهو يُحملق فيّ..نادل ..مثقف.. !!
يالك من بليد..أي ثقافة تلوكها في هذا المقهى غير ثقافة الملاعق والكؤوس..
قلت:وثقافة الرؤوس كذلك.. أم تراك نسيتها..؟
فلو لم أكن هنا لَما وجدتَ كلمتك الضالة ببحر الكلمات المتقاطعة الذي تغرق فيه بالساعات
لأخرجك منه وأنت تحتضر..
ما الفرق بيني وبينك إذن.. ؟؟
أليست جرة قلم هي مَن أجلستك هناك ؟
وصفعة ألم هي مَن أوقفتني هنا..؟
صمتَ لحظة ثم قال:
مارأيك لو ساعدتك بثقافة الكؤوس ، لتساعدني بتحضير الدروس..؟!
ابتسمت كالمعتاد وأنا أذكره مجددا بأنني موظف كأي مثقف..
ثم تأبطت أوراقه المبعثرة دائما..
وحمدت الله على كوني أستاذا في الكلمات المتقاطعة ..ولست أستاذا بالجامعة.