من باب تصحيح تاريخ الرسائل انقل مقدمة احد طبعات الكتاب:
"تقديم؛ قصة هذه الأفكار والخواطر "أفراح الروح"
أُوفدَ سيد قطب إلى أمريكا من قِبَل وزارة المعارف، للاطلاع على مناهج التربية والتعليم فيها، وأقام فيها حوالي سنتين: 3 / 11 / 1948 إلى 20 / 8 / 1950. وكان يرسلُ رسائل " إخوانية " شخصية إلى أخيه وأُخْتَيْه في مصر، وإلى معارفه وأصدقائه في مصر وخارجها، يسجل فيها بعض أفكاره وخواطره حول الحياة. وكان ينشر بعض المقالات في بعض المجلات الأدبية، مثل مجلة " الكتاب " التي كان يرأس تحريرها الأديب " عادل الغضبان ".
وكان " عادل الغضبان " يطلب منه أن يرسل مقالات لينشرها له في المجلة، وكان سيد قطب عازفاً عن كتابة المقالات وهو في أمريكا، ورأى أن بعض رسائله الشخصية إلى إخوته وأصدقائه تتضمن أفكاراً وخواطر نافعة، يمكن أن ينتفع بها القراء، فاختار مقتطفات من تلك الرسائل الشخصية وبعث بها إلى الأستاذ " الغضبان " ولكن الأخير لم ينشرها. ولما عاد سيد قطب إلى مصر فـي صيف عام 1950 وزار الغضبان سلّمه مغلّفاً فيه رسائله التي بعث بها إليه.
وقد أخبرنا سيد قطب عن قصة هذه الرسائل في مقال " في الأدب والحياة " الذي نشره في مجلة الكتاب، في شهر أبريل – نيسان – 1951. ووما قاله في ذلك المقال: " عندما كنت بعيداً عن الوطن – مدى عامين في أمريكا – كان في نفسي عزوف لا أدري مأتاه عن الكتابة، إلا في القليل النادر...
" ولكن داء الكتابة لم يزايلني البتة في خلال تلك الفترة! كنت أكتب إلى أخي وأُخْتَيَّ وأصدقائي في مصر وسائر البلاد العربية، وفي إنجلترا وفرنسا كذلك، وكنت أقول لهم في رسائلي الخاصة ما أودّ أن أقوله للناس في الكتابات المنشورة...
وخطر لي مرة أن الكثير من هذه الرسائل الخاصة التي لم تكتب للنشر، وإنما كُتِبَتْ لتؤدي أغراضاً حقيقية واقعية في حينها، تصلح للنشر أكثر مما أُعِدَّ للنشر فعلاً... وجمعْتُ طائفة منها، وأرسلتها إلى أستاذ أديب كبير، كان يستحثّني لأكتب شيئاً لمجلته...
وحين عدت إلى مصر التقينا، ففتح مكتبه، وسلّمني وُرَيْقات بخطّي، وقال: إنها خواطر قيمة، ولكني أرجأت نشرها لأجلك أنت، لقد خفت أن يحسبك القراء قد أفلست! فلجأت إلى مختارات من رسائلك!.. ".
وسجّل في مقال " في الأدب والحياة " مقتطفات من رسالته إلى أخته " حميدة ".. ومن رسالته إلى صديق له ضيّق الصدر بالناس.. ومن رسالته إلى صديق آخر اعتزل الناس.. ومن رسالته إلى صديق ثالث بيّن له أن الغاية لا تبرر الوسيلة..
ويبدو أن سيد قطب أخذ تلك الرسائل من عادل الغضبان، واحتفظ بها في بيته.. ولما سُجِنَ في الخمسينيات وصلت هذه الرسائل إلى مجلة " الفكر " التونسية، فنشرتها في العدد السادس، شهر آذار 1959، تحت عنوان " أضواء من بعيد "، ولا أدري من أين جاءت المجلة بهذا العنوان للرسائل، فقد نشر سيد قطب وهو في أمريكا مقالاً في مجلة الكتاب عدد فبراير – شباط – عام 1950 بعنوان " أضواء من بعيد " ليس له صلة بتلك الرسائل.
وفي عام 1971 وقفت " الدار العلمية " في بيروت على مقال مجلة الفكر التونسية " أضواء من بعيد " – الذي حوى تلك الرسائل، فنشرته في رسالة صغيرة، وضعت لها عنواناً من عندها، هو " أفراح الروح "، ولا أدري من أين جاءت بهذا العنوان!! ثم انتشرت تلك الخواطر والأفكار بالعنوان الجديد " أفراح الروح "، وطُبِعتْ عـدة طبعات، وأُعجب بها القراء.
ويبدو أن المقتطفات التي اختارها سيد قطب كانت من سبع عشرة رسالة من رسائله الشخصية، نشر في مقال " في الأدب والحياة " مقتطفات من أربع رسائل، أشرنا لها، أما باقي المقتطفات فلم نتمكن من الوقوف على رسائلها.
وبهذا نعرف أن هذا " الكتيّب " ليس رسالة بعث بها سيد إلى أخته " أمينة "، وإنما هو مقتطفات من سبع عشرة رسالة شخصية، بعث بها من أمريكا إلى إخوته وأصدقائه. وأن العنوان " أفراح الروح " ليس من اختيار سيد قطب، إنما من اختيار الدار العلمية.
نقول هذا من باب التاريخ والتوثيق العلمي، حتى لا تضيع الحقائق ولا تنتشر الادعاءات والمزاعم عندما يطول على الناس الأمد.
ولما أردات " دار عمار " العامرة إعادة إصدار هذا الكتيب رغب الأستاذ عصام فارس حفظه الله أن أقرأ الكتيب، وأن أكتب له تقديماً، فلبيت رغبته، وعملت على ضبط فواصله وتشكيل بعض كلماته، ووضع عنوانين لمقتطفات الرسائل، وكتابة هذا التقديم له. وأسأل الله النفع والقبول والأجر والثواب.
الثلاثاء 1 / 11 / 1422 | 15 / 1 / 2002
د. صلاح الخالدي"