هذا أبي
لم يرتحل يوما
وسوف يظل في ذات المكانْ
هذا ابي
تلكمْ هناكَ عباءة سوداء
مثل الوقتِ بعد رحيلهِ
وبها روائحه الزكيةُ
شيبةٌ عَلِقتْ بها بيضاء ..
مثل العمرِ لمّا كانْ.
هذا أبي
وهناك مصحفهُ
وغطاءه الملفوفْ
كم كان يغفو نائماً في صِبْيةٍ
ويقول: يا أولاد إن نمت اتركوني
فالنوم بينكمُ انْتعاشٌ لا يُعوّضهُ الزمانْ
أمَضى أبي؟
هل ترحل الأنسامُ ان جاء المطرْ؟
هل يترك العصفور عنوان السفرْ؟
هل تقبل الشمس المغيب بلا قمرْ؟
أمضى ابي فعلا؟
أوما تأخرَ .. وانتظرْ؟
وهل الذي قد كانَ, فعلا كانْ؟
لا تسخروا مني ..
وكفوا عن مزاحكم الثقيلْ
هل يرحل البحر اشتياقا للرحيلْ؟
هل تشرق الشمس انتظارا للأصيلْ؟
هل تعلن الدنيا بداية موسم الوجع الطويلْ ؟!
هذا ابي ..
مازال يضحكُ بيننا
وبناتُهُ من حولِهِ كالبدرِ في ليلٍ جميلْ
وأنا اقدم قهوتي ليديه ..
وأقبّل الجرحَ القديمَ بها
واشمّ فيْ قسماتِها .. والخاتم الفضي يخنقني
فأجهش بالعويلْ
آه يا ابي
سأسير في النعش المهيبْ
ولسوف ألْتحفُ الفرحْ
ولسوف اقرأ آية الصبر الجميل عليك عند القبرْ
واقبل الارض التي سينام فيها الفجرْ
ولسوف افترش التراب...
لاراه هل يكفيك ؟... ثم أرشه بالعطْرْ.
ولسوف أزهو فيك بين القوم
مَنْ يا تُرى كأبي الذي
مِنْ طيبِهِ قد طاب كل المرْ.
إن يمضِ يا أبتِ الجسدْ,
فلسوف تبقى الروح.. ولسوف يبقى الفخرْ
وأعود كي ألقى أبي
في بيتنا كمُعلّمٍ للصّبرْ.