ريتو الهرة الصغيرة
ركض عادل مسرعاً وهو يتعثر بقدميه و يتلعثم بالحروف
صاعداً الدرج المؤدي إلى منزلهم في الطابق الثالث
وهو ينادي ليلى.....ليلى .....تعالي
انظري إلى هذه الهرة الصغيرة التي تلتقط أنفاسها بصعوبة
إنها مولودة جديدة .....الأولاد يلعبون بها
يتقاذفونها ويلقون بها على شجرة الزيتون.....
لقد فقئوا عينيها الصغيرتين وملؤوهما رملاً......
كانت ليلى تستمع إلى عادل وهو يروي لها ما حصل لتلك الهرة المسكينة ......
ثم انفجرت بالبكاء وهي تردد يا الله ارحمنا برحمتك
ويح هؤلاء الأطفال إنهم لا يعرفون الرحمة
لا يفكرون إلا بمتعتهم ولو كانت على حساب حيوان صغير
لا حول له ولا قوة
ثم انتبهت بعد ذهولها وشرودها بلحظات
وقالت لأخيها عادل أسرع وأحضرها قبل أن يُقضى عليها
عاد عادل أدراجه ليحضر الهرة ولكنه لم يجدها
بحث عنها في كل مكان ولسان حاله يقول يا الله ساعدني لأجد تلك المسكينة
قبل أن تفارق الحياة
بعد بحث طويل وجدها مختبئة خلف كومة من النفايات
تلهث خوفاً
ناداها عادل بصوت خافت عله يشعرها بالأمان ثم اقترب منها بهدوء
أمسك بها مستسلمة لمصيرها بعدما أعياها التعب وشل حركتها
كانت ليلى تراقبه من الشرفة فلما رأته يحملها هرعت إلى الباب لاستقبال الضيف القادم
لم تستطع الانتظار فنزلت الدرج وعندما رأتها أخذتها بين راحتيها
صعدت بها مع عادل إلى سطح المنزل
تعاونا على تنظيفها وغسل عينيها مما علق فيهما من الرمال
خبآها حتى لا تراها والدتهما فتؤنبهما على إحضارها
فقد سبق لها وأن فقدت جنيناً إثر إصابتها بجرثومة
تنتقل عن طريق الهررة
وكانت توصي ابنتاها دائماً بالابتعاد عن الهررة خوفاً من أن يصيبهما ما أصابها
نزلت ليلى إلى البيت وأحضرت قليلاً من الحليب وراحت تسقي الهرة بالقطارة نقطة نقطة حتى شبعت ونامت تركتها ونزلت إلى البيت وهي تفكر ...
ترى هل يتوجب علي أن أخبر والدتي بالأمر ....
وماذا لو لم تسمح لي بإبقائها حتى تتجاوز هذه المرحلة ....
وماذا لو أجبرتني على رميها بعد أن تتعافى وقد أصبحت عمياء لا تبصر النور....
كيف ستواجه عالمها الجديد
كل ذلك جال بذهنها وهي غافلة عن قلب أمها الذي يفيض حناناً ورقة
لم تكن القسوة من طباعها
لم تتعود ليلى أن تخفي شيئاً عن أمها فقررت أن تخبرها بالأمر
أحسّت بالارتياح عند سماع ردها
جاء تماماً كما أرادته ليلى
اعتني بها ولكن لا تقتربي منها كثيراً
فهل يقدر أحدنا على إلقاء روح كتلك ليكون مصيرها الهلاك
هذا ما قالته الأم لابنتها
فرحت ليلى بقرار أمها وراحت تعتني بالهرة تنظفها وتمسح عينيها كل يوم
وتطعمها بيدها إلى أن تماثلت للشفاء
تلك الأحداث مر عليها عام ونيِّف
إنها اليوم تنعم بالدفء وأم ليلى تحضر لها طعامها كما تحضر طعام الأسرة
وهي سليمة معافاة عدا بصرها
تركض مسرعة عندما تسمع صوت ليلى أو أمها وهي تنادي
ريتو تعالي يا صغيرة لقد أحضرت لك الطعام
م.الهام56