- لستُ أدري بعْدَ كُلّ هذا الوقتِ مَتى سيُتاحُ لِي أَنْ أتفرَّغَ لهذه القِصّة؟!
مَضى زمنٌ مُنذُ سَوَّدْتُ رُؤوسَ أقلامِها، ولولا ذلك لنَسيتُها، بَلْ إِنِّي بالكادِ أسترجِعُ بعضَ أفكارِي بِشأنِها!
أخشَى إِنْ تأخَّرتُ أكثرَ مِن ذلكَ أنْ تَضيعَ مِنّي أو أفقدَ بقيةَ حَماسَتي لإتْمامِها.
إرتسمتْ على ثَغرهِ ابتسامةٌ ساخِرة...
- لا تهتمَّ كثيرًا لذلك، لَنْ تتكبّدَ ثقافةُ العَربِ خَسارَةً لِغيابِ قِصَّتِك؛ هناكَ المئاتُ مثلُها ترزح تحت غُبارِ الجَهلِ والتَجاهُلِ، وآلافٌ أُخْرى لَم تُكْتبْ بعدُ؛ ستَلقَى نَفسَ المَصير!
- مَهلا! لا تَسْخَر! ...
ليسَ هَمِّي الأكبرَ الثقافةُ واللغَة ...
- هِي الشُّهرةُ إذنْ! والظهورُ، ونَشوةُ المَديحِ، وعباراتُ الاستِحسان...
- أصْمُتْ! باللهِ عَليكَ! ليسَ هذا ولا ذاكَ، إنَّها القِصّةُ ذاتُها، أبطالُها، مُعاناتُهم، واقِعُنا، مأساتُنا...
- هههههه! أضْحَكتَني والله!
- ها قد عُدتَ إلى السُّخرية!
- لا، لا أسخرُ، إنما أضحكُ أسىً!.. هل حقًا راودتْكَ فكرةُ أنَّ قِصَّتكَ ستُغَيِّرُ شيئًا في هذا الواقِع؟!
هلْ تَظُنُّ أيها المُتحذِّقُ أنَّ قِصَّتك ستُطْعمُ الجائِعينَ أو تُغيثُ المَلهوفينَ أو تؤوي المُشَرَّدين؟!
أحِسبْتَ أنَّ قُراءَكَ مُتلهِّفونَ وفي شَغَفٍ؛ يَنتظِرونَ ما تَكْتُبُ لِيفْعَلُوا.. شيئًا؟! أيَّ شَيء!، أو أنَّ أصحابَ القرارِ يقْرأونَ ما تَكتُب؟!
أَفِقْ مِنْ وهْمِك أَيها الكاتِبُ المَغرور! أفِقْ! آ..فِقْ!
إنَّك لَنْ تفعلَ أكثر مِنْ أنَّكَ ستُرهِقُ المَكتَبَةَ العربيةَ المُتهاويةَ المُتهالِكةَ بقُصاصَةٍ تضافُ إلى رُكامِها فَتُخفيَ غُبارَ الصفحةِ التي تَحتَها حتّى يعلوَها الغُبارُ بدورِها بانتظارِ قُصاصةٍ أخْرى تطْمسُها.
إنكَ لنْ تَزيدَ إلا صَوتًا آخرَ ينضَمُّ إلى ضَجيجٍ عَبَثِيٍّ لا يلقىَ سامِعًا؛ فضلا عَنْ أن يُصادِفَ واعِيًا!
إنَّك لَنْ تَرجِعَ إلا بِحَسْرةٍ بُعَيْدَ نَشوتِكَ الزَائِفة!
- ما الذي تُريدُ أنْ تَقولَ بعدَ كُلِّ هذا؟!
..
لمَ لا تُجيب؟!
أأتراجعُ عَنْ طريقٍ سَلَكْتُه؟!
أئِدُ فِكرةً نَمَّيتُها؟!
أقتَلِعُ فَسيلةً غَرسْتُها؟!
أيأسُ مِنْ مُقارَبَةِ أملٍ عَقدْتُه؟!
...
لا إجابة...
ببُطءٍ اختارَ النَّصَّ بالفأرة.. وضَغَطَ الزِّرَّ.
====================