من "الأزد ومكانتهم في العربية" للدكتور أحمد بن سعيد محمد قشاش، والفقرنة مني.
***
(1)
المشهور في العربية الفصحى إفراد الفعل مع الفاعل سواء كان مفردًا أو مثنى أو جمعًا، فيقال: قام زيد وقام الزيدان وقام الزيدون، إلا في لغة أزد شنوءة فإنهم يطابقون بين الفعل وفاعله، فيلحقون علامة تثنية للفاعل المثنى وعلامة جمع للفاعل المجموع. ورويت كذلك عن طيئ وبني الحارث بن كعب، وكلهم قحطانيون من اليمن.
والنحويون يسمونها: "أكلوني البراغيث"، وسماها ابن مالك لغة "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار".
قال السُّهيليّ: "ألفيت في كتب الحديث المروية الصحاح، ما يدل على كثرة هذه اللغة وجودتها". وقال الشهاب الخفاجيّ: "وقد وقع منها في الآيات والأحاديث وكلام الفصحاء ما لا يحصى".
ومن شواهدها في القرآن الكريم قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ}. وقوله: {لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً}، وقوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}.
ومن الحديث ما تقدم.
ومن الشعر قول أمية بن أبي الصلت:
يلومونني في اشتراء النّخيـ ... ـيلِ أهلي فكلُّهم ألومُ
وقول مجنون ليلى:
ولو أحدقوا بي الإنسُ والجنُّ كلّهم ... لكي يمنعوني أن أجيكِ لجيتُ
وقول الآخر:
نصروكَ قومي فاعتززتَ بنصرهم ... لو أنهم خذلوك كنتَ ذليلا
ومن الجدير بالذكر أن ظاهرة مطابقة الفعل لفاعله ظاهرة مطردة في اللغات السامية أخوات العربية، وهي العبرية والآرامية والحبشية والأكادية، وقد تخلصت العربية الفصحى منها رويدا رويدا، وبقيت بعض أمثلتها حية في لغة أزد شنوءة وطيئ وبني الحارث بن كعب.
ولا تزال هذه اللغة تسمع - إلى اليوم - في مناطق كثيرة من السّراة، فتسمعهم يقولون: "خرجوا الجماعة من المسجد"، و"نجحوا أولادك" فيلحقون واوًا علامة للجمع، وهذا شأنهم أبدًا، لا ينطقون الفعل مفردًا إذا كان الفاعل جمعًا.
(2)
ويتعدى الفعل (زَوّجَ) بنفسه عند جمهور العرب، فيقولون: تزوجت امرأة، إلا في لغة أزد شنوءة فإنهم يعدونه بالباء فيقولون: تزوجت بامرأة. عزاها إليهم الفراء، واستشهد عليها بقوله تعالى: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}.
(3)
ومن الظواهر التي يمكن إلحاقها بما نحن فيه ما حكاه الفراء أيضًا من أن (الزوج) يقع على الذكر والأنثى، قال: "وهذا قول أهل الحجاز، قال الله عز وجل:{أمْسِكْ عَليكَ زَوجَكَ} وأهل نجد يقولون: زوجة، وهو أكثر من زوج، والأول أفصح عند العلماء".
وفي (الحجة) لأبي علي عن الكسائي عن القاسم بن معن أنه سمع من أزد شنوءة (زوجة) بالتاء. ويناقض هذه الرواية ما أورده ابن فارس رواية عن الكسائي عن القاسم بن معن أيضًا أن (زوج) في قوله تعالى:{اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} لغة لأزد شنوءة.
ويمكن الجمع بين هاتين الروايتين بأن أزد شنوءة جمعوا في كلامهم بين اللغتين، فسمعها القاسم بن معن من بعضهم مؤنثة بالتاء، ومن آخرين بدون تاء.
(4)
ويقال فيما زاد على العشرة من ألفاظ العدد إذا صيغ على (فاعل): حادي عشر، وحادية عشرة، والأصل: واحد عشر وواحدة عشرة. وحكى الكسائي أنه سمع هذا الأصل من الأزد. قال أبو حيان: "وهذا هو القياس، إذ فعله وَحَد*َ يَحِدُ، وأما حادي فمقلوب من واحد، جُعلت فاؤه مكان لامه، فانقلبت ياء لكسرة ما قبلها، وجُعلت عينه مكان فائه".