أمٌ تُهَدهدُ طفلها ولَهاً به
............................................ والليلُ في الثُلُثِ الأخيرِ الأليلِ
وسْنانةٌ ضوءُ السِراجِ أنيسها
.............................................. والسهدُ بادٍ في العيونِ الذُبَلِ
تُعطي لهُ دفء الجَناحِ صبابة
.............................................. وبقلبها دفء الحنانِ السلسلِ
تمحو الهُمومَ بِنظرةٍ لوحيدها
........................................... لو غابَ عنها قد تُصابُ بمقتَلِ
كم ليلةٍ سَهِرَتْ لِيرقدَ طفلها
............................................... كم مرةٍ غَزَلَتْ له بالمغزلِ
كم خاطرتْ بالنفسِ وهي عزيزةٌ
........................................... وتحملتْ ضَنَك الزمانِ المُمْحِلِ
وتقول إنْ برْدُ الشتاءِ أصابها
........................................... لا ضيرَ ما دام الحبيب بِمعزلِ
وتخافُ إنْ مرَّ الهواءُ بِجنبه
.............................................. فبقلبها جُرحُ القضا لم يُدملِ
آلتْ بأن لا ترتضي بعلاً لها
.......................................... لمّا انقضى نحبُ الحبيبِ الأولِ
قد كرَّست كل الحياةِ لِطفلها
.................................................. وتمثلتْ بالراهبِ المُتبتِلِ
إخلاصها لوليدها ولِبعلها
.......................................... جرّا مصاعبَ طعمها كالحنظلِ
للهِ كم سَمِعتْ كلاماً جارِحاً
............................................ مِن مُبغضين ولامزين وعذَّلِ
عَمِلَتْ وكدَّتْ كي تُربي طفلها
..............................................وا لصُلبُ فَلَّ وعزمها لم يُفلَلِ
لم تُنسها الأيامُ موعدَ حُلمها
............................................... بِقبولِ "أحمدَ" طالباً بالأولِ
وذهابِها للسوقِ تصطحبُ ابنها
................................................ تَشري له حاجاته لم تبخلِ
أما الحِذاءُ فلا مناصَ لجلْبِه
.................................................. . إلا بوعدٍ بالسدادِ مؤجلِ
يا سعدها لمّا رأته بِفرحةٍ
.................................................. والوجهُ بين تَبسُّمٍ وتهلّلِ
وتذكرت أيامَ عزٍ قد مضتْ
.............................................. والحالُ بين تَخضُّبٍ وتكحُّلِ
عادتْ بِذكراها لأيامِ الصِبا
............................................. والعِطرُ جوريٌّ ومزجُ قُرُنفُلِ
نامتُ تُحلِّقُ في فضاءٍ مُقمِرٍ
............................................ حلوٍ كطيفٍ من خيالٍ مخملي
لم تقبل الإحسان إلا كدَّها
............................................. لا مِن قريبٍ أو كريمٍ مُفضِلِ
والآن قد مرَّ الزمانُ بِسُرعةٍ
.................................................. ..والثانويةَ جازها بِمُعدَّلِ
من بعدها زادت مطالبَةِ ابنها
............................................ فالجامعاتُ تنوءُ فوق المحملِ
باعتْ أراضٍ لم تكن لِتبيعها
.................................................. لولا دُيونٌ همُّها بالكَلْكَلِ
ومضى الزمانُ وقد تخرّج "أحمد"
............................................ والأمُ أصبح ظهرها كالمِنجلِ
رُزِقَ الوظيفةَ بعد طولِ مشقةٍ
............................................. وكذاك أيامُ المصاعب تنجلي
مِن بعدِها أخذَ الغرورُ بِعقلهِ
.................................................. ...لمّا تغير حاله للأفضلِ
إذ لا احترامَ لأيِ شخصٍ عنده
........................................ فالناسُ دونٌ وهو شخصٌ من عَلِ
مُتجاهِلاً ما مرَّ مِن بؤسٍ به
............................................... مُتناسِياً أن لا دوامَ لما ولي
والأصدِقاءُ تَفرَّقوا مِن حولهِ
............................................ إذ صار يرمِقهم بِعينِ الأحولِ
لم يكفِه هذا فَحاك لأمهِ
............................................... أمراً مرارته كطعمِ الحرْمَلِ
إذ باع منزلها وباقي أرضها
............................................... لم يتَّرِكْ غير القليلِ المُهمَلِ
والأمُ تندبُ حظها في لوعةٍ
................................................و عيونها مثل الغيومِ الهُطَّلِ
حتى الأباعِد أشفقوا مِن حالِها
.................................................. .. لكنه لِدموعها لم يَحفلِ
فالحسرةُ الكُبرى عقوقُ وليدها
............................................ أضعاف حسرتها لِبيِعِ المنزِلِ
من بغدِها تركَ البِلادَ مُهاجِراً
............................................ عن حالِها ومصيرها لم يسألِ
ومضى الزمانُ ثقيلةٌ أيامُه
.................................................. . والأمُ صابرةٌ ولم تتبدلِ
عشرون عاماً قد مضتْ لرحيلِه
.................................................. لم يتصِلْ فيها ولم يَتَعلّلِ
ما فادها والنارُ تأكلُ قلبها
................................................ إلا التشبثُ بالسبيلِ الأمثلِ
تدعو له والنارُ بين ضلوعها
............................................. ودموعها حرّا كماءِ المرجلِ
وتقولُ إنْ شَعَرَتْ بِضيقٍ نفسُها
........................................... يا نفسُ بالصبرِ الجميلِ تَجمَّلي
فتدارَكَتها رحمةٌ مِن ربِّها
.................................................. . لمّا دَعَتهُ بِحسرةٍ وتذللِ
وأتى البشيرُ لها يُرفرفُ مُسْرِعا
..............................................أن عاد " أحمدُ" للدِيارِ تَهلّلي
لمّا رأته وحوله أولاده
......................................... لَمَستْ لِنشوتِها الكواكِبَ من علِ
نَسِيَتْ معاناةِ السنينَ بِلحظةٍ
............................................وكذ اكَ قلبُ الأمِ صافِ المنْهَلِ
لم تعرِفِ الكُرهَ البَغضَ بِقلبها
............................................... مع أن قصتها كمرِّ الحنظلِ
ضَحِكَتْ لها الأيامُ بعد عبوسِها
........................................... والهجرُ راح مع الليالي الهُزَّلِ
من قديم ما كتبت