الشّتيمة
قصة قصيرة
محمد النعمة بيروك
كنتُ أستمع بإمعان ومعي صديقي عبد النّور إلى هذا المتطفّل على الكتابة المسرحيّة، حيث كان يورد أخطاء على كلّ المستويات، حتّى أنّي تجاهلتُ اللغة علّني أجد ما يشفي الغليل في العمل كسيناريو وقصّة بدون جدوى، فالحوار فيه حشو كثير، والفكرة نفسها مكرّرة ومستهلكة حدّ الرّتابة..
ومع كلّ هذا اكتفيتُ بملاحظة أو اثنتين.. وصمتّ..
لم يرقْ له - على ما يبدو - صمتي وربّما ما ارتسم على وجهي من امتعاض رغم الابتسامة الصّفراء التي حاولتُ أن أداري بها كلّ شيء، حيث بادرني بسؤال محرج على شكل ملاحظة:
- يبدو أن العمل لم يعجبك
قلتُ:
أنت تحتاج فقط لمزيد من القراءة والغوص أكثر في تفاصيل العمل المسرحي..
حينها تمنّيتُ لو يتدخّل عبد النّور، مادام الرجّل معرفته لمساعدتي في الخروج من هذا المأزق، لكنّه التزم الصّمت..
قال الرّجل:
- هل تعني أنّي ماأزال مبتدئا
استنشقتُ بعض الشّجاعة من الهواء وقلت:
- نعم.. مبتدئ ولكنك ليستَ مُختتما.. أعني أنّ العمر مايزال أمامك لاكتساب التّجربة والثقافة، ذلك أنّنا..
وقبل أن استطرد، حيث كنتُ على وشك أن أقول له أنّنا جميعا مبتدئون.. قاطعني بقوله:
- أنت مغرور.. يبدو أنهم ضحكوا عليك حين قالوا إنّك ناقد مسرحي..
لاحظتُ في غمرة هذا التّصعيد المفاجئ أنّ يده ترتجف وهو يحمل فنجان قهوته، حتّى أنه قلبها في فمه دفعة واحدة..
هنا ظننتُ عبد النّور سيتدخّل لإنقاذ الموقف، لكنه لم يفعل أيضا وسط حيرتي واندهاشي..
ورغم ذلك تمالكتُ نفسي بابتسامة وقلتُ:
- ممكن
فاستطرد:
- الفن ليس كتابة وتمثيلا وديكورات وجمهورا.. الفن أخلاق أيضا
قلتُ:
- صدقت.. لكنّني لم أسئ إليك بكلمة واحدة..
فصرخ:
- كلامك كلّه إساءة..
كلّ هذا وعبد النّور يلتزم الصّمت..
وأضاف:
- أنت أصغر من الهالة التي يعطيها لك الإعلام الأصفر..وأصغر كثيرا من أن تقوّم تجربتي..
ثمّ "أنشد" بيتا للمتنبّي لا يشبه الأصل تماما:
- ومن يكن ذا فم مرّ.. يجد مرّا به الماء الزّلالا
هنا نطق عبد النّور أخيرا:
- فعلا
لا أدري أ طربا لبيت مكسور قاله هذا الرّجل، أم إقرارا بكلّ ما قاله قبل ذلك..
قرّرتُ أن أكون هادئا، متحكّما في نفسي، ثابتا ورزينا.. لن يسمع أحد أنّي تشاجرتُ مع أحد في مقهى ولا في غير مقهى، كنتُ أقول إنه سيرحل بعد قليل وسينتهي كلّ شيء.. وقد حدث.
خرجتُ مع رفيقي من المقهى، ولا شيء في نفسي على ذلك الرّجل.. الشيء الوحيد الذي يتردّد داخي هو الكلمة الوحيدة التي قالها عبد النّور "فعلا".