|
كَفى حَنينُكَ بعدَ الظّاعِنينَ كَفى |
مازِلتَ إثْرَهُمُ ذا عَبرَةٍ دَنِفا |
يا أهلَ أنْدَلُسٍ مِنْ بَعدِ هَجْرِكُمُ |
غابَ الصَّفاءُ وأمْسى أُنْسُها انْصَرَفا |
يا منْ وقَفْتَ على الآثارِ تَرْقُبُها |
لا تَحْبِسَنَّ دُمُوعَ العَينِ أنْ تَكِفا |
ليسَ الغَمامُ الذي رَوَّى دِيارَهُمُ |
إلاّ دُمُوعَ مَشُوقٍ دَمْعَهُ ذَرَفا |
أهْوى رُبُوعاً وراءَ البَحرِ سادِرَةً |
أقْوَتْ وكانتْ لأهْلِ العِلْمِ مُغْتَرَفا |
وحَدَّثَتْنيَ عنْ أخبارِ مَنْ سَلَفُوا |
والدّارُ تَحكي لِمَنْ في رَسْمِها وَقَفا |
كمْ شاعِرٍ أظْهَرَتْ حُسْناً قَصائِدُهُ |
مِثل النُّجُومِ ضِياها بدَّدَ السُّدَفا |
وعالِمٍ مدركٍ يُهدي الوَرى فِكَراً |
داوَى النُّفُوسَ بِعلْمٍ صادِقٍ وشَفى |
كمْ ساهِرٍ عاشِقٍ شاكٍ صَبابَتَهُ |
سَرى بهِ الشَّوقُ لمّا لَيْلُهُ انْتَصَفا |
كمْ صَرْحِ مَجْدٍ سَما في الأُفْقِ تَحسَبُه |
لمّا بَدا لكَ طَوداً شامِخاً صَلِفا |
يا مَنْ رأى المَسْجِدَ الباهيْ بِقُرطُبَةٍ |
فيهِ مَفاخِرُنا قدْ سُطِّرَتْ صُحُفا |
كأنَّهُ زاهِدٌ للّهِ مُعْتَكِفٌ |
أوْ أنَّهُ دَنِفٌ مِنْ وَجْدِهِ نَحَفا |
كأنَّ صَقْرَ قُرَيشٍ في جَوانِبِهِ |
يَطُوفُ يَسْتَنْطِقُ السّاحاتِ والغُرَفا |
يمضي ومِنْ خَلْفِهِ أبناؤُهُ انْتَظَمُوا |
سارُوا وقدْ عَبَرُوا القَرْنَينِ والألِفا |
يَلُوحُ مَجْدُ مَعَدٍّ في مَطالِعِهِمْ |
نُوراً وأَأْنُفُهُمْ مَرفُوعَةٌ أنَفا |
في مَسجِدٍ أفْيَحٍ كالبَحرِ مُتَّسِعٍ |
فَلَسْتَ تَلقى لهُ حَدّاً ولا طَرَفا |
بَنَوْهُ صَرْحاً على مَرِّ القُرُونِ سَما |
وتُحْفَةً غالَبَتْ في حُسْنِها التُّحَفا |
تَبْدُو مَنارَتُهُ في الأُفْقِ شامِخَةً |
تَزهُو بِمَجدِ رَسُولِ اللّهِ والخُلَفا |
والظّافِرينَ مِنَ الأفذاذِ مَنْ صَنَعُوا |
نصرا فكان لدى التارريخ منعطفا |
يا ثائِرَ الشَّوقِ في الأطلالِ تَرْقُبُها |
أمْسى فُؤادُكَ بالأشْواقِ قدْ تَلِفا |
غُرناطَةٌ رَبْعُها يَحْكي بَلَنْسيّةً |
تَرويْ قُصُورُهُما العَهْدَ الذي سَلَفا |
إذا تَبَصَّرَ فيها مَنْ يُراقبها |
يَرى الحدائِقَ والطَّيرَ الذي هَتَفا |
حَدائِقاً لوْ رأتْها الجِنُّ ما بَرِحَتْ |
إلاّ أميرُهُمُ مِنْ زَهْرِها قَطَفا |
تَسبي المَشُوقَ إذا هَبَّتْ نَسائِمُها |
مَمزوجةً بِشَذىً مِنْ قَبلُ ما عُرِفا |
زِدْني بِتذكارِ جَنّاتِ العَرِيفِ هَوًى |
فالقَلْبُ فيها غَدا بالحُسْنِ مُنْشَغِفا |
إذا بَدا الصُّبحُ واخْتالَتْ طَلائِعُهُ |
كأنَّهُ خَفِرٌ عنْ وجهِهِ كَشَفا |
تَبدُو بِباحاتِها الأطيارُ مُرسِلَةً |
أنْغامَ سِحْرٍ إليها ذُو الهُيامِ هَفا |
كأنَّ أصْواتَها في الرَّوضِ قائِلَةٌ |
الرَّبْعُ غَيْرَ بني عَدنانَ ما ألِفا |
يا آلَ رَبْعِ العُلا إنِّي أسِيرُكُمُ |
عَطْفاً على عاشِقٍ في قَيْدِهِ رِسَفا |
كانتْ ليالِيكُمُ بيضاءَ مُقْمِرَةً |
نَجْمٌ يدورُ وبَدرٌ في السَّما قُذِفا |
وماؤُكُمْ مُزِجَتْ بالمِسْكِ جَرْعَتُهُ |
يَشفي العَليلَ إذا ما عَبَّ أوْ رَشَفا |
ماءٌ زُلالٌ يُريْ الوُرّادَ صُورَتَهُمْ |
يَزيْنُهُ الدُّرُّ والرَّيْحانُ فيهِ طَفا |
في كُلِّ ساقِيَةٍ زَرقاءَ رائِقَةٍ |
تَصْفُو النُّفُوسُ لها مِنْ رِقَّةٍ وصَفا |
يَهوى بُرُدَتَها الحَرَّانُ هاجِرَةً |
حتّى إذا خاضَ في أمواهِها رَجَفا |
كمْ لابْنِ زَيدُونَ مِنْ شِعرٍ يُخَلِّدُها |
ولابنِ زُهرٍ قَريضٌ حُسْنَها وَصَفا |
هذي الصُّرُوحُ التي قامَتْ دعائِمُها |
قامَتْ بِعزْمِ أُباةٍ للوَغى حُلَفا |
أبناءُ عدنانَ أوْ قَحطانَ تَعْرِفُهُمْ |
أهلُ الحَميَّةِ ماضي مَجْدِهِمْ عُرِفا |
هُمُ الكُماةُ فلَوْ غابَتْ مكارِمُهُمْ |
كأنَّما الشَّمسُ أمْسى ضَوؤُها كُسِفا |
تَبقى الدِّيارُ طَوالَ الدَّهرِ تَذكُرُهُمْ |
إنْ كانتْ الدَّارُ فيها عِزَّةٌ وَوَفا |