من مقدمة محقق كتاب "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" للسيوطي- الدكتور حسن موسى الشاعر

لا نجد كتبًا متخصصة في إعراب الحديث غير ثلاثة كتب: الأول للعكبري، والثاني لابن مالك، والثالث للسيوطي.
قال السيوطي في مقدمة كتابه "عقود الزبرجد":
"... وبعد فقد أكثر العلماء قديمًا وحديثًا من التصنيف في إعراب القرآن ولم يتعرضوا للتصنيف في إعراب الحديث سوى إمامين: أحدهما الإمام أبو البقاء العكبري... والثاني الإمام جمال الدين ابن مالك... وقد استخرت الله تعالى في تأليف كتاب في إعراب الحديث مستوعب جامع ...".
وفيما يلي وصف لهذه المصنفات:
(1) إعراب الحديث النبوي- للإمام العكبري (538-616هـ):
أبو البقاء محب الدين عبد الله بن الحسن العكبري الأصل، البغدادي المولد والدار، الفقيه الحنبلي الحاسب الفرضي النحوي الضرير.
برع أبو البقاء في فنون كثيرة وله مصنفات عديدة منها: إعراب القرآن، واللباب في علل البناء والإعراب، وشرح الإيضاح والتكملة لأبي علي الفارسي، وشرح المفصل للزمخشري وغيرها.
وقد صنف أبو البقاء العكبري أول كتاب في إعراب الحديث، واعتمد في أخذ الأحاديث على كتاب جامع المسانيد لابن الجوزي (597هـ) الذي جمع فيه مصنفه غالب مسند أحمد وصحيح البخاري ومسلم والترمذي.
قال أبو البقاء في مقدمته: "أما بعد فإن جماعة من طلبة الحديث التمسوا مني أن أملي مختصرًا في إعراب ما يشكل من الألفاظ الواقعة في الأحاديث، وأن بعض الرواة قد يخطئ فيها، والنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بريئون من اللحن، فأجبتهم إلى ذلك، واعتمدت على أتمّ المسانيد وأقربها إلى الاستيعاب وهو جامع المسانيد للإمام الحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، رحمه الله، مرتّبة على حروف المعجم، والله الموفق للصواب".
ومجموع الأحاديث التي تعرّض العكبري لإعرابها نحو 430 حديثًا، كان يستشهد عليها بالقرآن والشعر، وقد يتعرض للخلافات النحوية، وقد يذكر العكبري للرواية أكثر من إعراب.
وإذا خرجت الرواية عن المألوف في كلام العرب ولم يجد لها وجها في قواعد النحاة حكم العكبري عليها باللحن.

(2) إعراب الحديث- للإمام ابن مالك الأندلسي (600-672 هـ):
أبو عبد الله جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني النحوي اللغوي المقريء المحدث الفقيه الشافعي.
من أشهر مصنفاته: الكافية الشافية وشرحها، التسهيل وشرحه- لم يتم-، الخلاصة الألفية في النحو والصرف، شرح عمدة الحافظ وعدة اللافظ.
وقد صنف ابن مالك كتابًا في إعراب الحديث سماه "شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح". وهو يقوم على إعراب مشكلات وقعت في صحيح البخاري. ويتضح فيه منهج ابن مالك في الاحتجاج بالحديث النبوي، واستنباط القواعد النحوية منه.
ويستدل للأحاديث بالقرآن والشعر، ويخطّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ِّّّّّّّّّّّّّّّّّيء النحوِيين في عدد من المسائل. وهو بذلك يتميز عن منهج العكبري الذي كان يلحّن الرواية أحيانا لمخالفتها قواعد النحاة.

(3) إعراب الحديث- للإمام السيوطي (849 ـ ا 91هـ):
صنف السيوطي كتابًا ضخمًا في إعراب الحديث سماه "عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد" اعتمد فيه غالبًا على مسند الإمام أحمد، وضمّ إليه كثيرا من كتب الحديث.
قال في مقدمته: "... وقد استخرت الله تعالى في تأليف كتاب في إعراب الحديث، مستوعب جامع... وأجعله على مسند أحمد مع ما أضمه إليه من الأحاديث المزيدة، وأرتبه على حروف المعجم في مسانيد الصحابة، وأنشئ له من بحار كتب العربية كل سحابة...".
وهكذا رتّب السيوطي كتابه على الطريقة التي رتب فيها العكبري كتابه.
والسيوطي مطّلع على إعراب الحديث للعكبري وإعراب الحديث لابن مالك فينقل أقوالهما في إعراب الحديث، ويزيد عليها بما يعنّ له وما يراه من الأقوال الأخرى. فيقول:
"قد أوردت جميع كلام أبي البقاء معزوًّا إليه؛ ليعرف قدر ما زدته عليه، وتتبعت ما ذكره أئمة النحو في كتبهم المبسوطة من الأعاريب للأحاديث فأوردتها بنصهّا معزوّة إلى قائلها".
والسيوطي- كعادته- جمَّاعة للآراء لا يكاد يغفِل عن نقل رأي منها له قيمته في إعراب الحديث، ولا نكاد نجد له دورًا في الإعراب إلاّ نادرًا.
وأهم المصادر التي اعتمد عليها السيوطي في إعراب الحديث:
1- إعراب الحديث للعكبري، وقد صرّح بنقله جميع كلامه.
2- إعراب الحديث لابن مالك.
3- شرح الطيبي على مشكاة المصابيح للتبريزي.
4- شروح صحيح البخاري للكرماني، والزركشي، والخطابي، وابن حجر.
5- شروح صحيح مسلم للقاضي عياض، والقرطبي، والنووي.
6- شرح الكافية الشافية لابن مالك.
7- أقوال النحاة واللغويين في مصنفاتهم كالزمخشري في المفصل، والرضي في شرح الكافية، والأندلسي في شرح المفصل، وابن يعيش في شرح المفصل، والجوهري في الصحاح، والزمخشري في الفائق، وابن الأثير في النهاية في غريب الحديث.