تأملات في أبيات مطران

خليل مطران "شاعر القطرين" (1 يوليو 1872 - 1 يونيو 1949) شاعر لبناني مصري
و أحد عمالقة الشعر العربي الحديث
كان لجهده الأثر البالغ في تغيير دفة الشعر الحديث إلى الاتجاه الرومنسي
يمتاز شعره بحسن الصياغة وجزالة الأسلوب
كما أن لديباجته رونق فخم تغلب عليه الفكرة عن غلبة العاطفة لذا تجد كما يقول الناقد الكبير السحرتي
يميل إلى البحور الطويلة ليعبر عن أفكاره
من أجل ذلك تكاد لا تجد في بعض مقطوعاته تلك الانفعالات الشعرية العميقة ولا العاطفة الجياشة
ولكنك تجد في بعض الأحايين مقطوعات شعرية رنانة ذات إيقاع موسيقي عميق
ولمطران قصائد تعتبر من عيون الشعر العربي
وهو بحق شاعر الثقلين لا شاعر الناقتين

وصاحبكم قد بلاه الله بحب القصائد التي تغلب عليه العاطفة.
فيحب في الشعر همسه وقعقعته وضجيجه ونحيبه
لذا لم أشد كثيرا عند قراءتي لديوانه الأول
وليس العيب في شعره ولكن العيب بخلقي المعوج المأسور بتمتمة المهجريين ورتمهم
وكم جاهدت نفسي لتقرأ الشعر الفلسفي الخالي من كل عاطفة
ولكنها تمجه ولا تستسيغه
فصرت كما يقول أحد الشعراء :
ظـن الهـوى لبسـة تبلـى فيخلعـهـا
فكان في الروح مثل الروح فـي البـدن


ولكن مالنا الآن ولمذاهبي المعوجة
لنترك تلك الفيافي البائسة لنتفيًأ ظلال صاحبنا شاعر القطرين خليل مطران الذي قال
ومن تدعه يردد نداءك لا يجب
كما رجع الصخر الأصم لك الصدى

والذي قال أيضا واصفا فتاة كانت تمشي على شاطئ النيل في إيقاع متقن وموسيقى عذبة
وليلة بدر صفا جوهـــــــــــا
وباح بسر السكون الحفيـــــــف
وألقت بسمع ظلال الريــــــا
ض لنجوى قلوب بهن تطيـــف
وصب على النيل شبه السيو
ل منير الدجى من سناه الضعيف
فخيلها البدر روحـــــــا بدت
على البعد في حلة من شفــــوف
تلوح وتخفي كأن الأشـــــعة
آنا مراء وآنا سجـــــــــــــــوف

فتأمل معي تلك العذوبة والرقة في قوله ((وباح بسر السكون الحفيف ))
وتأمل كيف صور اختفاء صورة الفتاة وظهورها على النيل
بتصوير متقن بارع في آخر بيتين

وفي قصيدته الأثر الباقي

يقول في مطلع قصيدته وقد مرض مرضا عضالا

يا قلب مات بك الغرام
فعلى بقيتك السلام
ما تنفع الكأس التـــــي
بقيت وقد فني المدام

فانظر إلى شدة اليأس والقنوط الذي أصيب به الشاعر فقلبه لايوجد به عود ولا حتى ذرة من أمل

فهو على نقيض قلب الأخطل الصغير حيث قال
قـلـب بخـيـط رجـائـه يتعـلـق
قعـد العيـاء بـه وقــل المشـفـق

كما أن قلبه ليس بالقلب المريض كقلب الشاعر حسين غالب حيث قال

في القلب داء وهـذا الـداء يضنينـي
وهل سوى موقفي في الـداء يشفينـي

ولو نظرت إلى هذه القلوب الثلاثة لحق لك أن تبكي صاحبنا
فهو أشد أصحاب القلوب مرضا ويئسا

ثم انظر إليه وهو يصف نفسه نادبا مولولا

الله ..... في صدر وهــــى
وتقوست منه العظــــــام
خاو كجوف الغــــــــــــار
تملؤه المخاوف والظلام
إلا سراجا حائلـــــــــــــــا
فيه ينير بلا ابتســــــــام
روح تضيء على ضريح
في صميم القلب قــــام
تحنو عليه كأنـــــــــــــــه
مهد لطفل فيه نـــــــــام

فتأمل معي كيف كيف جعل لنفسه بصيص نور
ولكن هذا البصيص يضيء ضريحا في صميم قلبه
فكأن الأمل وإن وجد بصيصه لم يعد يجد أثره في قلب هذا الشاعر القانط

وهذه الأبيات تذكرني بأبيات رائعة لنسيب عريضة أثبتها هنا لتقارب الموضوع
قال نسيب عريضة :
كـأن فـي داخلـي قبـرا بوحشـتـــــه
دفنـت كــل بشاشـاتـي وإينـاســـــــــي
ما قبـر حـرب ولا درب المنخـل أو
دفائـن الجـن شيئـا عنـد أرمـاســـــــي
فيـهـا وأدت بـنـيـات وأغـلـمـــــــــة
صبـح الوجـه عليهـم نـضــــــرة الآس
حفرة بالفأس في قلبـي الضريـح لهـم
وكنت أبكي ويبكي الصخر مـن فاسـي
خير لهـم وأدهـم مـن موتهـم سغبــــا
أو أن يبيحـوا ميـاه الوجـه للحاســـــي


ومن أجمل قصائد خليل مطران قصيدته الأسد الباكي ومغاضبة وغيرها من عيون الشعر العربي
ولكني سأقف الآن
لنكمل في بوح آخر

تحياتي

يمتاز شعره بحسن الصياغة وجزالة الأسلوب
كما أن لديباجته رونق فخم تغلب عليه الفكرة عن غلبة العاطفة لذا تجد كما يقول الناقد الكبير السحرتي
يميل إلى البحور الطويلة ليعبر عن أفكاره
- ولهذا - أيضا - كان نثره أكثر من شعره !!
- بوركت شاعرنا الكريم ..
- وإنا لبوحكم لمن المنتظرين ..